صدر عن النائب أحمد الفضل، الذي نتوقّع له مستقبلا سياسيا مميزا، مقترحا مكتوبا مقدما لزملائه أعضاء مجلس الأمة، في ما يشبه أولويات عملهم كمشرّعين، حيث ذكر أن من الضروري، مع بداية حياة المجلس الجديد، الاتفاق على نقاط مهمة، أولاها عدم الموافقة على تشريع أي قانون فيه مس بجيب المواطن، قبل الانتهاء من الإصلاحات الاقتصادية في مؤسسات الدولة. كما على النواب وقف الهدر الحكومي، وإنهاء خدمة القياديين الفاشلين، والانتهاء من تأسيس الشركات العامة، التي ينتظرها المواطن. مع ضرورة تفعيل دور صندوق المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإنشاء لجنة قيم داخل المجلس لمنع الخروج عن الآداب العامة، وتخصيص جزء خدمات الدولة، كالمستشفيات، لخدمة المواطنين، وأخيرا إيجاد حل سريع للدورة المستندية في المعاملات الحكومية.
لا شك في انها مطالب مميزة، وهي لا تختلف كثيرا عما سبق ان طالب به كثير من النواب، في مجالس سابقة، وإن بصيغ مختلفة. كما تضمّنت تناقضاً بين المطلبين الأول والثاني، واستحالة تحقيق ثالث، بعد مرور أكثر من نصف قرن من المطالبة به من دون جدوى.
يكمن التناقض بين الطلبين الأول والثاني، او الأول يطالب بإجراء إصلاحات اقتصادية، والثاني يطالب بعدم الاقتراب من جيب المواطن! فأي إصلاح يمكن الحديث عنه من دون المس بجيب المواطن، ونحن نرى كل هذا الذي ينفق على الدعم؟ لا شك في أن هناك هدرا حكوميا ضخما مقابلا، وغالبه يذهب لأمور غير ذات اهمية إطلاقا، ولكن ترشيدها يتطلب جهدا كبيرا، وسيأخذ بعض الوقت، وبالتالي يجب أن يبدأ الوفر بخطين متوازيين، ولا ترشيد من دون المس بجيب المواطن، وبقية ملابسه!
أما الأمر المستحيل التحقيق ـــ تقريبا ـــ فهو المتعلق بوضع حل سريع للدورة المستندية الطويلة والمرهقة والمكلفة، فهذه الدورة البطيئة هي التي تمد الجسد الحكومي بما يحتاج إليه من أكسجين لبقائه حيا!
فالتأخير في إنهاء المعاملات، و«تعال باكر وبعد باكر»، و«كتابنا وكتابكم»، و«تم عرض الطلب على الإدارة القانونية»، و«انتظر المفتش»، و«سيأتيك ردنا قريبا»، و«راجعنا بعد شهر»، و«المعاملة في اللجنة».. كلها تؤدي إلى إرهاق المواطن ودفعه الى اللجوء للنائب لكي يساعده في إنهاء معاملته، ليقوم الأخير باللجوء إلى الوزير المعني لإنهاء معاملة المواطن، ويفعل الوزير ذلك لكي يضمن ـــ ولو مؤقتا ـــ ولاء النائب، ويتجنّب شرور الاستجواب والمحاسبة!
وبالتالي، لو قامت الحكومة بتطوير أعمالها وجعلها «لا ورقية»، وطبّقت توصيات كل ما سبق، وان شكلت لجانا اقتصادية وقامت بالتطوير، وأدخلت الميكنة، أو الكمبيوتر في كل الأعمال، وأنهت معاملات المواطنين في دقائق أو ايام، بدلا من أسابيع او شهور، فإن حاجته إلى واسطة النائب ستختفي، وهذا الأخير لن يذهب الى الوزير لطلب توقيعه على المعاملات، حينها ستتاح للنائب محاسبة النائب. وبالتالي من الأفضل بقاء الإدارة متخلفة ليستمر الدوران في الحلقة الجهنمية.
ومن هذا المنطلق، فإن انتظارنا أي تطوير إداري حقيقي سيطول كثيراً!