نبي الله عيسى ابن مريم “عليه السلام” من الأنبياء أولي العزم، وهو مَن بشّر الإنسانية برسولنا الأكرم محمد بن عبدالله “صلى الله عليه وآله وسلم”، الذي كان بدوره يلقب من سبقه من الأنبياء بـ”أخي”، فضلاً عن أن الإيمان والتصديق بأنبياء الله من أساسيات عقيدتنا الإسلامية، ومن هذا المنطلق تتعلق قلوبنا بحبهم واحترامهم وتقديسهم.
حتى في البعد الإنساني والوجداني، فإن احترام أنبياء الله وإجلالهم من مقتضيات العقل والضمير لما قدمه هؤلاء الصالحون إلى البشر من جهد وعناء وتضحيات على طريق الإصلاح والهداية والتسامح والمحبة، ومن بينهم المسيح، عليه السلام، الذي نعتبر ولادته معجزة إلهية، ورفعه إلى السماء كرامة ربانية أخرى.
أتباع السيد المسيح اليوم يشكلون أغلبية سكان الأرض، يحتفلون بمناسبة ولادته في طقوس دينية تتلى فيها الصلوات والأدعية وفقاً لما تمليه معتقداتهم وإرثهم الديني والثقافي، وهم في ذلك يشاركون بقيةَ الأمم والملل والأديان التنوعَ المذهبي والاختلافات الفكرية، وهذا شأن خاص بهم.
مهما اختلفنا مع نظرائنا في الإنسانية في المعتقد والعبادة، وحتى في تشخيص السيد المسيح نفسه، فإننا نشاطرهم قدسية هذا الولي ومحبته والتعاليم التي أرسلها الله، عز وجل، معه، والأكثر من ذلك نشاركهم الوجود والتعايش والحياة اليومية، نسافر إلى بلادهم ويأتون إلينا، ندرس في جامعاتهم ونتطبب في مستشفياتهم، ونتسوق في أرقى متاجرهم، بل في وقت العسرة نستنجد بهم لتخليصنا من بطش وإجرام بني جلدتنا ممن يدّعون الإسلام!
لهذا يفترض أن نبادلهم الاحترام والمحبة وحفظ حقوقهم وحرياتهم واحتفالاتهم، كما أنهم يراعون، في الغالب الأعم، خصوصياتنا وممارسة شعائرنا وعباداتنا في عقر دارهم، حيث انتشرت المساجد والمراكز الإسلامية في الآلاف من المدن والقرى حول العالم.
إن ما يدعو إلى الأسى ضيق الأفق والتزمّت غير المبرر في الجهر والتباهي بالتعرض لمناسبات المسيحيين، وخصوصا أعياد الميلاد، والنيل منها والتحريض عليها في بلادنا، أو وسم طقوسهم بعبارات التكفير والضلال، ومن صور ذلك إزالة شجرة عيد الميلاد من إحدى الجمعيات التعاونية بضغط من أحد النواب، وتجاوب فوري من السيدة وزيرة الشؤون التي توسّمنا في شخصيتها الشجاعة وحسن الإدارة، فأي منطق أعوج في إجراء كهذا؟ أليست تلك الجمعية هي التي اختلست أموالها وبضاعتها مجالس إدارات يفترض أن تكون من المسلمين! ليت الأخ النائب والأخت الوزيرة يفتياننا ما هو الحرام؟ أهو سرقة المسلمين لأموال المساهمين أم شجرة عيد ميلاد مزينة بشكل جميل نسبة إلى ميلاد سيدنا المسيح ابن مريم؟!
أما تلك الأصوات النشاز التي تتطاير منها الروائح الكريهة والداعية إلى الفتنة والتباغض بسبب الاحتفال بمولد نبي عظيم، فيا ليتها نطقت بحرف واحد ضد أدعياء ديننا الإسلامي الذين يعيثون في الأرض فساداً، فيقتلون الأبرياء وينحرون الشيوخ ويحرقون الأسرى وهم أحياء ويفخخون الأطفال من البنات، ويدمرون البلاد الإسلامية، فأكرمونا بسكوتكم واصمتوا صمت القبور!