على الرغم من كل أشكال التراجع، والاحتراب الداخلي، والضعف الشكلي والفعلي، عربياً، وعلى الرغم من حالة الانقسام الفلسطيني الحادة، تظل قضية فلسطين لاعباً أساسياً ومحورياً، تفرض نفسها، كأبرز قضية اغتصاب في التاريخ الحديث. يحدث ذلك بعد خمسين عاماً على النكسة واحتلال إسرائيل لكامل التراب الفلسطيني في ١٩٦٧، وبعد قرابة السبعين عاماً على النكبة في ١٩٤٨.
في هذا الإطار يأتي قرار مجلس الأمن الأخير، الذي نص على “مطالبة إسرائيل بأن توقف فوراً، وعلى نحو كامل، جميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وأن تحترم كل التزاماتها القانونية في هذا الصدد احتراماً كاملاً، وأن بناء إسرائيل المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام ١٩٦٧ بما فيها القدس الشرقية ليس له أي شرعية قانونية، ويشكل انتهاكاً صارخاً بموجب القانون الدولي، وعقبة كبيرة أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل والدائم والشامل”.
بالطبع قد يركز البعض على تقديم مصر للمقترح، ثم سحبها إياه، كما قد يركز البعض الآخر على ضعف الأمم المتحدة، وعدم تنفيذ قراراتها على الأرض، إلا أن المسألة أبعد من ذلك، وأكثر عمقاً.
فالمسألة تعني أنه مهما جرت من محاولات لطمس جوهر القضية الفلسطينية وتحويلها إلى ركام منسي، والابتعاد عن كونها قضية احتلال غير شرعي مخالف للقانون الدولي، بتواطؤ من قوى كبرى وصغرى، فإن تلك المحاولات تصر على أن تبوء بالفشل.
وها هي بعد ٣٧ عاماً من آخر قرار صدر بهذا الخصوص، تعود مجدداً ضمن معطيات خلافات مستمرة بين حكومة أوباما وحكومة نتنياهو، ليودع الرئيس الأميركي البيت الأبيض بضربة موجعة، قد تحدد شيئاً من معالم السياسة الأميركية القادمة تجاه القضية الفلسطينية أو على الأقل تخفف منها.
ليست لدينا أوهام كثيرة في فعالية الأمم المتحدة وقدرة إسرائيل على التصدي لتنفيذ تلك القرارات، وتحالف أميركا العضوي معها، لكن طريق عودة فلسطين دولة مستقلة كاملة السيادة طويل، ومن المؤكد أن قرارات من هذا النوع ستكون علامات على ذاك الطريق الطويل المثخن بجراح الأبرياء ودماء الشهداء.