بإمكان الكثيرين اليوم استلام وإعادة إرسال وتبادل منتجات الإعلام الإلكتروني من روابط مقالات ومواقع ومقاطع حوارات فضائية وأخرى متلفزة من قنوات خاصة، تتناول عدة اتجاهات: الاتجاه السيئ، وهو نبش الموروث والمحتوى الخاطئ في كتب السنة والشيعة وبثه لتأجيج الصراع، والاتجاه الثاني الطيب، وهو الدعوة لإزالة تلك الشوائب من كتب المسلمين، وصد الاحتراب والنزاع… فتلك الكتب، حتى لو كتبها علماء، إلا أن فيها ما فيها وعليها ما عليها، وبالنسبة لي شخصيًا كإنسان مسلم، ليست (مقررًا) علي رغمًا عني، ولست ملزما بأن آخذ كل ما فيها.
لست في الحقيقة مع الأسلوب القاسي الذي يستخدمه بعض الباحثين ممن وضعوا كتب الصحاح لأهل السنة والجماعة، وكتب علماء الشيعة تحت المجهر بغرض البحث والتنقيب والتحليل وإزالة المكذوب والموضوع والمضحك والمفزع منها، فبالإمكان لأي باحث وجد ضالته في (الضلال المخيف) الموجود في بعض تلك الكتب وبدأ عمله في توعية الناس وتحذيرهم، تمهيدًا لأن يعمل على إزالة ما أمكن إن تمكن! فهناك حرب طائفية مشتغلة في الأمة، تغذيها دول وحكومات ومنظمات وكيانات وأقطاب، وليس أسهل من اكتشاف (حطب جهنم) في الكثير من كتب المسلمين… المسألة فقط هي مسألة جيوش من الأجهزة الإعلامية (التكفيرية خصوصًا) وشوية ملايين الدولارات وهوووووب… ستصل النار إلى نسبة كبيرة لا بأس بها من أبناء المسلمين: سنة، وشيعة، وإباضية، وعلوية، ودروز، ووهابية، وبهائية، ومتصوفة وغيرها من ملل ونحل طالت قائمتها أم قصرت.
دعونا من كتب الفريقين، ولنركز على موضع (اشعال الحريق الكبير) ألا وهو الحريق الطائفي، وحسنًا فعل الكاتب الفلسطيني محسن صالح حينما أصدر بحثه (قراءة في دعاوى التفتيت الطائفي والعرقي)، فهناك محور مهم حينما نريد أن نفهم بعمق أسباب اشتداد الصدام الطائفي مع حركة الربيع العربي أو سمها ما شئت، تلك الظروف كانت ولاتزال، مواتية ومثالية لاستراتيجية الصهانية (شد الأطراف ثم بترها)، مما يعلمه أو لا يعلمه أصحاب منابر وأبواق وأفواه الطائفية من السنة والشيعة وسائر الطوائف، فهي استراتيجية تؤسس لمشروع تفتيت الدول العربية والإسلامية، وبسط الهيمنة الصهيونية والغربية، وتشمل تلك الاستراتيجية اشعال صراع شديد بين الشيعة والسنة والأكراد في العراق، وبين السنة والعلويين في سورية وبين الطوائف المتناحرة في لبنان، وبين الفلسطينيين والبدو في شرق الأردن، وبين السنة والشيعة في الخليج العربي، وبين المسلمين والأقباط في مصر، وبين الشمال المسلم والجنوب الوثني المسيحي في السودان، وبين العرب والبربر في المغرب العربي الكبير.
طيب… هل يمكن الحديث قليلًا عن (برنادر لويس) ونقحمه في صراع كتب المسلمين ومحتواها وأهدافه واستغلاله لها؟ بالطبع يمكننا الإيجاز أن ذلك المستشرف (وهو صهيوني متعصب)، لديه مشروع تمزيق الأمة العربية والإسلامية طائفيًا وعرقيًا فيما أسماه (الاستجابة لدواعي التاريخ والجغرافيا والثقافة والتراث)، ولهذا نتساءل «ما دخل الطائفي أبو لحية طويلة وثوب قصيرة وما شأن الطائفي أبو بشت وعمامة وما شأن الطائفي أبو شنب مسحوت ونظارة سميكة في أن يتشارك مع لويس في مشروعه حين يصبح ويمسي ويتنفس طائفية؟ والجواب: هل هناك بالفعل أشد خطرًا من صاحب المشروع.
أليس لهذه المجتمعات مخرج من سيطرة (جراثيم الطائفية وأقطابها ورعاتها دولًا وكيانات وأفرادا؟)، بالطبع ممكن إن أرادت كل دولة أن تستحضر المنهج العماني الرائع، فالسلطنة قدمت نموذجًا رائدًا في صيانة النسيج الوطني قل نظيره، ولا بأس في أن نستحضر مشهدًا في كتاب (من روائع حضارتنا) للمرحوم مصطفى السباعي بشأن التعايش والتسامح الديني، فينقل هذه القصة من القرن الثاني الهجري «عن خلف بن المثنى: لقد شهدنا عشرة في البصرة يجتمعون في مجلس، لا يعرف مثلهم في الدنيا علمًا ونباهة، وهم الخليل بن أحمد صاحب النحو (وهو سني)، والحميري الشاعر (وهو شيعي)، وصالح بن عبدالقدوس (وهو زنديق)، وسفيان بن مجاشع (وهو خارجي صُفري)، وبشار بن برد (وهو شعوبي خليع ماجن)، وحماد عجرد (وهو زنديق شعوبي)، وابن رأس الجالوت (وهو يهودي)، وابن نظير المتكلم (وهو نصراني)، وعمر بن المؤيد (وهو مجوسي)، وابن سنان الحراني (وهو صابئي)، كانوا يجتمعون فيتناشدون الأشعار ويتناقلون الأخبار».
نحن أمام مشروع لتعزيز الانقسام والتقسيم والتفتيت وفق توصيات مؤتمر (هرتزيليا الصهيوني)، لكن لا يجب أن نلوم الصهاينة ما دمنا نحن كعرب وكمسلمين نعشق شرب دم بعضنا بعضا! نحن، حكومات وأفراد، حين نتبنى الطائفية ونطبع مع الكيان الصهيوني، فإننا نلحق المزيد من التفتيت للمنطقة على أسس طائفية وعرقية، بحيث يتحول هذا الكيان إلى كيان طائفي عرقي يهودي «طبيعي» بين الكيانات الطائفية والعرقية التي يسعى إلى إيجادها في المنطقة؛ سواء أكانت سنية أم شيعية أم مسيحية أم درزية أم علوية.
لكن ما هو الحل؟ لا سيما إن سلمنا إلى أن بعض الدول العربية والإسلامية هي ذاتها تمول وتساند وتدعم مشروع الصهاينة! وهي ذاتها التي تتباكى بدموع التماسيح على عناوين التسامح والتعددية والديمقراطية وحرية الأديان كذبًا، وهي ذاتها التي تشجع التناحر المذهبي والتكفيري والمتشدد المتطرف من كل الأطراف الدموية؟ وهي ذاتها التي تصرخ بالويل والثبور والتهديد والوعيد لسحق الإرهابيين وهي ذاتها التي تحميهم وتمولهم وتسمنهم!، بالطبع الحل سهل للغاية مهما استصعبه البعض: إن تطبيق القانون على السني وعلى الشيعي وعلى الرافضي وعلى الناصبي وعلى الموالي وعلى المعارض على حد سواء في حال افتعل أي طرف أي جرم بحق آخر… مواطن معه على نفس الدرجة… لا يميزه دينه ولا مذهبه ولا انتماؤه السياسي… العدالة الاجتماعية هي مظلة تحمي الجميع في حضن (الوطن الجامع)، ثم لا تخف بعد ذلك لا من إيران ولا من غيرها ما دمت محصنًا من الداخل بسياج المواطنة المتساوية والعدالة والحقوق والواجبات… لندع بعبع (إيران هي السبب… طمبورستان هي السبب… طبلستان هي السبب)، فتلك اسطوانة لا تنفع ولا تقدم نموذجًا لإطار مستقبلي تنموي وطني يشارك فيه الجميع.