مشهد سوريالي هو مقتل السفير الروسي لدى تركيا أندريه كارلوف، الذي يعد أحد الدبلوماسيين المخضرمين من الروس. لقد بدا المشهد كما لو كان جزءا من عرض حي على خشبة المسرح، وهو يتحدث في كلمة عن تقارب الروس والأتراك، في معرض فني بعنوان “روسيا بعيون أتراك”. ولا يعرف السفير أنه على موعد مع الموت على هذا المسرح اللامع بلوحاته على يد شاب متأنق يحوم خلفه ببزة رسمية وربطة عنق ليتلقى بعدها الرصاص ويهوي على صوت الشاب نفسه، الذي وللمفارقة يعمل في قوات مكافحة الشغب أي المجال الأمني. وذلك بلا شك خيانة للوظيفة وخيانة للأمانة وللمواثيق والعهد. والمثير كالعادة في أي عمل إرهابي طائش هو صبغ القاتل جريمته بأدبيات الثأر الجهادي، كما فعل الشاب الذي هتف في القاعة، متبنيا أرجوزة حماسية تدغدغ المشاعر التي نشأت على فورة العاطفة في تاريخها: “نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا”، وذلك على خلفية التدخل الروسي في سورية، ومساندتها للنظام السوري ضد المعارضة المسلحة، سياسيا منذ 2011، وعسكريا منذ نحو 15 شهرا وإلى الآن. لكن المعركة ليست معركة أيديولوجية، بل وضع سياسي لا يمكن تجاوزه إلى تفسيرات أخرى البتة. والنبي محمد لم يقتل رسله، والرسل لا يغدر بهم ومن الخلف، كما لا يمكن أخذ ثأر من أبرياء روس فهذا فعل جبان.
وقد كانت ليلة دامية شهدت ثلاثة حوادث إرهابية، لم تكن تركيا سوى مسرح لواحد منها، إضافة إلى سويسرا وألمانيا، حوادث أوقعت السفير الروسي وعشرات القتلى والمصابين، حيث قتل ما لا يقل عن تسعة وأصيب نحو 50 في اقتحام حافلة لسوق مكتظة في برلين، فيما أعلنت سويسرا عن مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين إثر عملية إطلاق نار على مركز إسلامي في زيوريخ. ومع الأسف فإن تبرير الإرهاب تحت ذرائع عاطفية هو تعاطف مع الإرهاب نفسه. يبدو ذلك الأمر في تعرض أي إرهابي إلى قتل أبرياء ولا سيما من الغرب، وذلك في سعي مباشر وغير مباشر ولدواع عاطفية تحويل صورة الجاني إلى ضحية، بسرد أسباب غضب أو تأثر الإرهابيين. وفي ذلك إيجاد مبررات للعمل الإرهابي عامة سواء، الذي يتم مباشرة من خلال “داعش” و”القاعدة” وغيرهما من الأحزاب والميليشيات الشبيهة أو ما يسمى بالذئاب المنفردة.
ولا شك أن من يلتقي في مصلحة فكرة تنامي الإرهاب وخطره هما الأسد وإيران، باعتبار ذلك نقاط ربح، فكلاهما يتخذ من أي خطوة كالإرهاب منصة قفز على الواقع. ومقتل السفير سيبقى كما لو جاء حجة دامغة. ويبقى التشجيع على الإرهاب فكريا تحت تصنيف التعاطف أمرا خطرا يشير بشكل حرج إلى استثارة أساس فكري يدعمه ويسوق له الذرائع، وذلك بوصف الإرهاب جهادا عقائديا بين مسلمين وكفار. وهذا خروج سافر عن النص، لأن الإرهاب بكل صيغه لا يمكن تلميعه وربطه بأسباب أو تعليله بارتدادات وبثارات سياسية دينية.