بعد تفاقم الوضع المالي، وإفلاس إحدى الجمعيات التعاونية، بعد نهب كل من تولى إدارتها، وكانوا في غالبيتهم من «الفئة المؤمنة»، قامت وزارة الشؤون، وفي سابقة، بتسليم أمور إدارة الجمعية لشركة تجارية، وقامت هذه، ومن منطلقات ترويجية بحتة، بوضع شجرة «عيد الميلاد» على مدخل السوق، وهنا فارت دماء الغيرة على الدين في عروق أحد النواب، ممثل حزب الإخوان المسلمين في البرلمان، فتدخل باتصاله بوزيرة الشؤون شخصياً لمطالبتها بإزالة الشجرة، عنوان الكفر والفساد والسرقة والبذاءة، فقامت السيدة الوزيرة بالاستجابة لطلبه، وأزيل «رمز الكفر والفساد». فنشر النائب تغريدة يعلن فيها انتصاره، وهو الذي سبق أن وعد ناخبيه، إبان حملته الانتخابية، بأنه سيدافع عن «الحريات العامة»!
غريب اهتمام سياسيينا بتوافه الأمور. فقد نسي هذا النائب وغيره ما سبق أن حصل في هذه الجمعية وغيرها من اختلاسات، وما ينهب يومياً من أموال مساهميها على السخيف والغريب من المشاريع، وما ينتشر فيها من قذارة، ومن نقص في المرافق الصحية والخدمات، فتركوا كل ذلك، وركزوا على منع وضع شجرة ميلاد، ومنع الموسيقى في أسواق الجمعيات، ومنع بيع بطاقات التهنئة بالكريسماس ورأس السنة!
إن هذا الاستسلام الحكومي لصغائر الأمور أمر محزن، والمحزن أكثر أنه ليس بالأمر الجديد. ففي مثال آخر قد لا يعرفه الكثيرون، يتطلب قانون قراقوشي «من كل أصحاب الفنادق في الكويت، التي ترغب في وضع بيانو والعزف عليه في ردهات الفندق، الحصول على ترخيص خاص بذلك»! سنعتبر هذا أمراً عادياً، أو من «أعمال السيادة» ولن نتطرق إليه. ولكن الغريب أن هذا القرار، المعمول به منذ أكثر من ثلاثين عاماً، يفرض على أصحاب الفنادق تجديد ترخيص العزف شهرياً، ويحدث ذلك بشكل شبه تلقائي من شهر فبراير من كل عام، وحتى شهر نوفمبر منه. ويختلف الوضع في ديسمبر ويناير، حيث تنتهي صلاحية ترخيص العزف في ديسمبر في العشرين من الشهر تقريباً، ولا يسمح بالعزف ثانية حتى الأسبوع الأول من الشهر التالي، يناير، من السنة الجديدة، وكل ذلك لكي لا تتاح الفرصة للفنادق لعزف أي مقطوعات موسيقية في ردهات الفنادق في تلك الفترة، غير المرخصة، لكي لا يفرح أحد بسماعها، أو ربما نكاية بالمسيحيين!
هذا أحد التصرفات الغريبة لحكومتنا الرشيدة، الحكومة نفسها التي تود الانفتاح على العالم، والتي ترغب في جذب المستثمر الأجنبي، والتي تسعى إلى جعل الكويت مركزاً مالياً، والتي صرفت 750 مليون دولار على بناء دار أوبرا، ولكنها في الوقت نفسه لا تود لأحد الاستماع إلى صوت بيانو في فترة أعياد الميلاد، ورأس السنة!
فهل هناك غرابة في التصرف أكثر من هذا؟
نكرر مع عائشة المرطة: يا ناس دلوني درب السنع وينه!