تؤكد معركة حلب الكبرى أن الحرب في سوريا لن تنتهي في المدى المنظور، خروج المدنيين السوريين من حلب الشرقية، عوضا عن الاكتفاء بخروج المسلحين والجرحى سيؤسس لحرب طويلة ممتدة. ما حل بحلب الشرقية يذكر بما حل في بيروت عندما احتلها الجيش الإسرائيلي وصنع مجازر صبرا وشاتيلا. معركة حلب لن تجلب الاستقرار للنظام السوري ولا للتدخل الروسي والإيراني في سوريا. حلب التي صمدت لسنوات أربع صنعت قصة ممتدة، فالتناقض من الآن فصاعدا سيتحول نحو الاحتلال الروسي أولا ثم الإيراني ثانيا قبل ان يكون مع جيش النظام الذي دمرته الحرب.
القوة المدافعة عن حلب بالتحديد من المعارضة السورية وخاصة الجيش الحر وقوامها مكون من أكثر من ثمانية آلاف مقاتل، هي من أفضل عناصر المعارضة السورية، كما أن الكثير من النشطاء السوريين ممن قرروا البقاء في حلب، هم من أفضل النشطاء في الثورة السورية ومن أكثرهم معرفة بضرورات استراتيجية موحدة ومختلفة للثورة السورية. أما جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة فلم تتجاوز بضعة مئات من المقاتلين في حلب، فهي لم تكن القوة الرئيسية على امتداد تاريخ المعركة في حلب، لكنها كانت الذريعة الدائمة للروس لتدمير حلب.
وتتحمل المعارضة السورية المسؤولية الناتجة عن عدم الاستعداد لمواجهة وحشية النظام السوري، وحليفيه الروسي والإيراني، وذلك بفضل تفككها في الداخل والخارج. بعض المعارضين وعددهم تجاوز خمسة آلاف مقاتل كانوا قريبين من حلب، لكنهم لم يفعلوا شيئا وبعض المعارضين في مناطق إدلب وعددهم يتجاوز العشرين ألفا كان بامكانهم عمل شيء لإنقاذ حلب لكنهم اكتفوا بما يعتبرونه مناطق محررة. عجز المعارضة بقياداتها الراهنة فرض على النشطاء والمناضلين في حلب ظروفا كانت الأقسى.
على مدى مسار الثورة السورية تم قتل بعض افضل قادة الثوار في نزاعات مفتعلة، كما دعمت شخصيات من الخارج رغم عدم تمتعها بالكفاءة من أجل لعب دور عسكري في المعارضة، وبنفس الوقت جاءت قوى محسوبة على الجماعات المتطرفة للسيطرة على الساحة مما أفاد النظام. ويتضح من المشهد بأن العناصر الأفضل من المعارضين لم تتبوأ المشهد، هذا أضعف الثورة.
عند المقارنة بين معركة حلب ومعركة الموصل في العراق يبرز فارق كبير في البعد العسكري الميداني. داعش ذات الايديولوجية المتطرفة شيدت مدينة كاملة تحت الموصل كما ومارست عبقرية عسكرية في مواجهة الهجوم عليها. كل التقديرات تشير إلى أن الجيش العراقي فقد مئات الدبابات والآليات في معركة الموصل الأخيرة، كما فقد المناطق التي سبق له وأن احتلها في المرحلة الأولى من المعركة ضد تنظيم الدولة. معركة الموصل تبدو لصالح داعش حتى اللحظة. لقد جهزت داعش لمعركة الموصل منذ اليوم الاول لاحتلالها للموصل. كما نجحت داعش من جانبها في بناء مصادر تمويل ذاتية سمحت لها بالاستقلالية عن الدول المحيطة، بينما لم تنجح المعارضة السورية في تحقيق ذلك.
سيكون لزاما على الثورة السورية في المرحلة القادمة النزول تحت الارض وتفادي حرب موقعية إلا ضمن توازنات واضحة. المرحلة القادمة ستتضمن حرب عصابات في طول البلاد وعرضها، لكن ذلك سيتطلب من الثورة السورية القيام بثورة على الثورة وذلك لتجديدها ودفعها للأمام. في سوريا سيتعمق النزاع مع الاحتلال بشقيه الروسي والإيراني والتي تنعكس على حالة إضعاف النظام السوري الراهن. تلك أصبحت حربا مفتوحة لن تخلو من المفاجآت والمنعطفات. لقد حقق النظام السوري تقدمه في حلب فوق أرض محروقة، لكنه سيكتشف بعد حين كم كانت حلب انتصارا وهميا، انتصاره في حلب أضر بالمعارضة تكتيكيا لكنه أفادها استراتيجيا. في حلب نقطة التحول الأهم في الثورة السورية وقضيتها.