يتحدث المؤرخ الفرنسي فرنسوا بوفلوغ عن دوافع المتشددين دينياً لعداء الفنون والأشكال الفنية، ويحاول فهم أسباب قيامهم بممارسات عنيفة ضدها، مثل تدمير التماثيل والأضرحة، مؤكداً أن الديانتين الإسلام والمسيحية هما الأكثر عداء للفنون، قبل أن تتساهل الأخيرة إزاء التحريم.
وفي مقابلة مع فرانس برس، يحاول بوفلوغ فهم الأسباب التي تجعل المتشددين دينياً في عداء مع الفنون، وفهم دوافعهم في الهجوم على ما يرونه مظهراً وثنياً، ويتساءل عن القاسم المشترك بين تدمير حركة طالبان لتماثيل بوذا في باميان في أفغانستان عام 2011 (والصحيح مارس 2001)، وتدمير حركة أنصار الدين للأضرحة في تمبكتو في مالي عام 2012، وتدمير تنظيم «الدولة الإسلامية» لآثار تدمر في سوريا والعراق، وغيرها من أحداث. ويبدو أنه حين ينظر المتشددون إلى شيء ما على أنه ينطوي على ازدراء، أو على أنه محل عبادة، يتصرفون من موقع من يشعر بالإهانة، علماً بأن تدمير الآثار لا يشكّل أولوية استراتيجية للجهاديين، ولكنهم يفعلون ذلك ليقدموا أنفسهم على أنهم مسلمون أتقياء متمسكون بتعاليم الدين، ورافضون للوثنية، وهي المعزوفة، أو اللازمة، التي يكررونها دائماً لتبرير أفعالهم.
وفي سؤال عن السبب في وجود كل هذا الإبداع في الكنائس المسيحية إن كانت الفنون محرمة فيها، قال بلوفوغ إن بدايات المسيحية كانت خالية من التصوير، وظلت على مدى قرنين وفية للتقاليد اليهودية. أما اليهود، فقد كانوا أقل استهدافاً للصور والتماثيل، لأنهم لم يكونوا في موقع السلطة كثيراً، بخلاف الديانتين الأكثر عداء لها، أي الإسلام والمسيحية، حيث كانتا دوماً ضد الأصنام الوثنية، والبهرجة، ولكن المسيحية تغيرت وظل الإسلام السلفي على عدائها، وتساهل المسيحية جاء مع الوقت، علماً بأن التحريم سبق أن ورد في الوصايا العشر لموسى: «لا تصنع لك تمثالاً ولا صورة مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهن ولا تعبدهن». كما أن الكنائس البروتستانية مثلاً لا تزال تتقيد بالبساطة في ديكوراتها الداخلية وتصميمها الخارجي، ولا تعلّق الصلبان غالباً في خارجها، ولا تحتوي أغلبيتها على صور وأيقونات. ويعتقد أن هذا التساهل النسبي الذي أبدته الكنيسة لم يمنع المتشددين الكاثوليك من الرفض العنيف للكثير من الأعمال الفنية. ويتصرف معظم المسيحيين المتشددين على هذا النحو لرغبتهم في التصدي للتجديف، ولكن مفهوم التجديف أزيل تدريجاً من معظم قوانين البلدان الأوروبية، ولكن لا يزال هناك في المسيحية نوع من التراتبية التي ينبغي احترامها في ما يتعلّق بالصور، الإله الأب والمسيح في القمة، ثم العذراء والطفل يسوع بعد ذلك.
وفي سؤال عما إذا كانت الجماعات المتشددة ستستخدم الفن وتحوله إلى أداة دعاية لها؟ أجاب المؤرخ بأن هناك الكثير من المجموعات الدينية تفعل ذلك، وتستخدم في دعايتها الدينية أعمالاً لا يمكن أن توصف بأنها ذات قيمة فنية، (كما فعلت داعش مثلاً في أفلام إعداماتها). وقال إن المسلمين المتشددين يرغبون في تطبيق الشريعة في كل العالم، من هنا تختلف دوافع التدمير الذي يرتكبونه عن تلك التي تحرك بعض الأشخاص في المدن الأوروبية مثلاً للاعتراض على عمل مسرحي أو سينمائي ما.