طوت مسيرة مجلس التعاون الخليجي دورتها السابعة والثلاثين في قمة المنامة دونما مفاجآت جديدة، وخصوصاً ما يتعلق بمشروع الاتحاد الخليجي، الأمر الذي يعكس عدم تبلور رؤية متكاملة متفق عليها في الوقت الراهن رغم الحماس الإعلامي ودفع بعض الشخصيات والتيارات السياسية في الدول الأعضاء، ومنها الكويت لمثل هذا الإعلان الكبير، واكتفت القمة بالمواقف التقليدية إزاء العديد من الملفات والقضايا الإقليمية والعالمية إضافة إلى تأكيد التعاون في شتى المجالات بين الدول الأعضاء.
التريّث في إعلان مشروع الاتحاد، مهما كان نموذجه وهيكلته القانونية والسياسية المقترحة، يبقى الخيار الأكثر حكمة واتزاناً في هذه المرحلة بسبب عدم نضج تكامل البنية التحتية لمفهوم التكامل الإقليمي، سواءً في بعده الاقتصادي كتوحيد العملة أو السوق المشتركة أو تنويع مصادر الدخل، بالإضافة إلى خطوط المواصلات والربط البري والبحري بين الأشقاء الخليجيين، مع أن بعض هذه المشاريع كخط سكة الحديد قيد الإنشاء.
على الصعيد السياسي، ورغم نقاط الالتقاء الكثيرة بين العواصم الخليجية، لا تزال المواقف متباينة ولو بدرجات متفاوتة إزاء قضايا ساخنة على المستويين الإقليمي والدولي، بما في ذلك الأحداث في سورية والعراق واليمن ومؤخراً مصر، ناهيك عن الموقف من إيران، وتأتي نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية لتزيد المشهد السياسي تعقيداً، كما أن موقف سلطنة عمان على وجه التحديد من الكثير من هذه الملفات قد يمنع قيام اتحاد خليجي كامل أو أنه يولد ناقصاً، الأمر الذي يشكل إحراجاً سياسياً واضحاً لهذه المسيرة الطويلة.
من جهة أخرى فإن أي مشروع تجاه إعلان اتحاد إقليمي بناءً على البعد الأمني فقط أو كردود فعل للملفات الساخنة المشار إليها أو حتى في مقابل ما تعتبره معظم دول مجلس التعاون استفزازات إيرانية، قد يوجه بوصلة اتحاد كهذا نحو تبني أدوات السياسة الصلبة وقرارات التصعيد والمواجهة، وذلك على حساب استكمال البنى التحتية لمزيد من الانسجام الاقتصادي والثقافي وتدشين المؤسسات التكاملية سياسياً وتنموياً، وقد أثبتت العديد من نماذج التحالفات القائمة على ردود أفعال أمنية أو سياسية صرفة أنها لا تصمد بعد انتفاء أهمية تلك المبررات، كما هي الحال في حلف وارسو وحلف بغداد ومجلس التعاون العربي والمجلس المغاربي.
إن خيارات التكامل الخليجي وفق أسس مدروسة ونابعة من إرادة الشعوب وتطلعاتها، والتحديات الجمة التي تواجه دول الخليج في مجال التنمية البشرية المستدامة، وتنويع اقتصاداتها على قاعدة تبادل الأدوار، وتفعيل الدبلوماسية الخليجية في كسب الأصدقاء، ما زالت واسعة ومتاحة، فهذه الخيارات لا تمنح دول الخليج المزيد من الريادة والسبق وتوجيه استثماراتها الضخمة لبناء الإنسان والمستقبل فحسب، بل تجعل من أي مشروع وحدوي مستقبلي ينضج على نادر هادئة وواعدة!!