كانا يومين صاخبين في قمة مجلس التعاون في البحرين، انتهيا بـ”إعلان الصخير” الذي كان للتعاون المشترك ومواجهة سلوكيات إيران العدائية حصته الكبيرة فيه. ولكن على الرغم من التحديات السياسية والأمنية التي تمر بها المنطقة، كان الاقتصاد هو العصب المهم في الحكاية. أما لماذا، فلم يكن تحدي الاقتصاد هذه المرة عائدا فقط إلى أمر اقتصادي صرف فحسب، وذلك لأن الاقتصاد لطالما كان هو القوة السياسية الأولى التي لعبتها دول الخليج دوليا، وعلى مدى عقود من اكتشاف النفط. لا شك أن منطقة الخليج مهمة للأمن العالمي، لكن النفط كمصدر اقتصادي رئيس كان الدينمو للعلاقات الدولية الاستراتيجية، ولا سيما إذا استحضرنا العلاقات التاريخية بين الخليج وبين كل من أمريكا وبريطانيا. لذا فقد كانت مشاركة بريطانيا ممثلة في رئيسة الوزراء تيريزا ماي هذا العام في قمة مجلس التعاون حيوية، فبريطانيا تستعد للخروج من الاتحاد الأوروبي وتحتاج إلى تعزيز علاقاتها بالخليج الذي يعد ثاني أكبر مستورد غير أوروبي للبضائع والخدمات البريطانية، بينما تبلغ قيمة الاستثمارات الخليجية في بريطانيا 150 مليار جنيه استرليني. “أمن الخليج من أمن بريطانيا”، هكذا صرحت تيريزا ماي خلال زيارتها للقوات البحرية الملكية في بريطانيا في قاعدة ميناء خليفة بن سلمان، وهي التي تناولت كلمتها “تهديد إيران الواضح لدول الخليج وأهمية بناء خطة استراتيجية تجاه المسألة”.
هناك أنواع مختلفة من القوى صلبة وناعمة، وكان الاقتصاد الأداة الحديثة التي تم تفعيلها في العصر الحديث. وهو ما يتلاءم مع طبيعة النمط الجديد للعلاقات الدولية التي تتزايد فيها الأهمية الاقتصادية وحساسية أي محاولة إخلال بطبيعة العلاقة أمنيا، بالشكل الذي قد يؤثر في تلك العلاقات ومنافعها الاقتصادية. لذا فقد كان الاقتصاد وما زال يعبر عن قوة دول الخليج طوال عقود من النفط. هو النفط الذي وظف السياسات العالمية في الضغط والإقناع والتأثير بما يخدم ويحقق المصالح والأهداف. ولم يكن الاقتصاد قوة ضغط في العلاقات السياسية بين الدول فحسب سواء من منطلق تبادل تجاري أو من منطلق مساعدات اقتصادية للدول، بل أيضا من خلال تعزيز الشراكات الاستثمارية مع الشركات الكبرى في الدول الأخرى. وقد عملت الشركات الأمريكية العريقة العاملة مع السعودية منذ زمن طويل، مثالا، كلوبي ضغط لحماية مصالح السعودية في أمريكا، وهو في النهاية حماية مصالحها الاقتصادية مع السعودية.
للقوة الاقتصادية الدبلوماسية لدول الخليج أهمية في القدرة على التأثير في الساحة الدولية. ليس فقط في إمكانات التسليح وإمداد القوة الصلبة العسكرية للردع والحماية وإن كان كلا الأمرين متداخلين، إذ لا يمكن أن تعمل الدول بشكل فعال من الناحيتين الاقتصادية والسياسية دون توفير بيئة أمنية مستقرة. ولا شك أن الاقتصاد هو عصب السياسة والأمن. وقد هيمنت التحديات الاقتصادية والتغيرات الدولية على قمة مجلس التعاون، ولا سيما مع إطلاق دول الخليج رؤى التحول الوطني الاقتصادي، والسعي لتنويع مصادر الدخل، بعد تراجع سوق النفط كمصدر قوة رئيسة. لذا فالتحديات الحالية هذه تحديات معقدة، والاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول يتزايد مع التحديات الاقتصادية العالمية. والعمل بشكل جاد وعاجل على المسألة الاقتصادية في دول الخليج هو تعزيز للموقعين السياسي والأمني.