لاحظ زملينا فهد المطيري بمقال ذكي بعنوان “خانعون مع سبق الإصرار” (الجريدة عدد أمس) في شريط مشادة الشيخ خليفة العذبي مع اللواء عبدالفتاح العلي، التي حدثت عند مطابع الوطن، عبارة “ما تقدر يا أبو أحمد على المشيخة” وجهت إلى اللواء عبدالفتاح، ويستطرد فهد المطيري، ناقداً الشكل العشائري للدولة المشيخية حين تسمى مناطق بأكملها وشوارع بأسماء أبناء الأسرة، لا تعرف (هذا من عندي) مدى مساهمة كثير من أبناء الأسرة، التي سميت معظم المناطق والعديد من المرافق العامة بأسمائهم أو بأسماء بعض الأفراد الراحلين من الذين يدورون في حلقاتهم في بناء الدولة وتقدمها، مما يخلق شعوراً عندنا بأننا إزاء مقاطعة خاصة للأسرة الحاكمة (مع كل التقدير لها)، وأن ما يسمى بمؤسسات الدولة، التي يفترض أن تكون قانونية محايدة، أضحت هي الأخرى مجرد ملاحق تابعة للمشيخة العشائرية، يرأسها أبناء الأسرة أو من يتم تفويضهم بإدارتها، وتصبح المراكز الوظيفية العليا تشريفاً ومنحاً لهذا الإداري الكبير وليست تكليفاً وخدمة عامة.
ليس في أسماء المناطق أمر جديد، فكثير من مناطق الكويت كانت بالفعل ملكية خاصة لأبناء الأسرة تاريخياً عبر وسائل التحويط بالبراميل، ووضع اليد على أراض شاسعة من الدولة، لتثمن تلك المناطق من “الدولة” المشيخية ذاتها، وتقسم وتباع أو توزع على “المواطنين” أو بوصف أصح على “الرعايا”، حتى تلاحق الراحل عبدالله السالم الأمر بقانون تنظيم الأراضي الأميرية في مرحلة متأخرة من الخمسينيات.
على ذلك فإن تسمية المناطق أو المرافق العامة بأسماء أبناء الأسرة ليست أمراً مستحدثاً في الكويت، وإنما له جذوره التاريخية هنا وفي معظم أقطار الشرق الأوسط التي كانت تحت حكم الخلافة العثمانية، ففكرة الملكية الفردية للأرض لم تكن متبلورة في الدولة الإسلامية التاريخية، فهي شكل من أشكال “النمط الآسيوي للإنتاج” الذي ذكره ماركس مقابل نظام الإقطاع بأوروبا قبل الثورة الفرنسية، فالرعايا “تاريخياً” يستثمرون أرض الخلافة، بصورة مجملة، ويدفعون الخراج لبيت المال، وظل هذا سائداً حتى فترات متأخرة في الدولة العثمانية، وتم في ما بعد تطوير نظام “الطابو” بدولة الخلافة العثمانية وتسجيل وثائق الأراضي بأسماء مستغليها، ثم جاء الاستعمار الغربي، لينظم فكرة الملكية الخاصة للعقار، ويطورها بقوانين، ليختص البعض دون غيرهم بمساحات شاسعة كبيرة، وهم من الأعيان والأشراف مقابل “النبلاء” في أوروبا.
ليس تسمية جل المناطق الآن بأسماء أبناء الأسرة الحاكمة وتكريس هذه الممارسة في السنوات الأخيرة بالأمر الكبير طالما ظل مفهوم “المواطنة” متبلوراً محدداً حسب المعايير الدستورية والقانونية، المصيبة هي أن ينظر للمواطن على أنه فرد من الرعية، وليس “شخصاً” مواطناً، له حقوق في المشاركة بالسلطة ونقدها، وتقويمها… وتصبح القوانين وتطبيقها تكريساً لهذا الشكل العشائري للدولة.