في مقال سابق تحدثنا عن المرشحين الشباب في انتخابات مجلس 2016، وفرصهم في المنافسة على مقاعد البرلمان بعد أطروحاتهم الجميلة المصاحبة لروح الحماس والشجاعة السياسية، وأنها تلامس طموحات الناس بل تطلعاتهم وإرادتهم، وفي مقال آخر كتبنا عن تسونامي الشباب الذي انعكس في صناديق الاقتراع وعصف بنواب المجلس السابق ليستبدل معظم نوابه بوجوه جديدة، كان للشباب منهم خط مميز في دخول قاعة عبدالله السالم.
اليوم أخاطب هؤلاء النواب الشباب بعدما أصبحوا ممثلين للأمة، فألقيت عليهم جملة من المسؤوليات الجسام التي تعكسها تحديات لا شك أنها صعبة وكبيرة، وفي مقدمتها أنهم ودون غيرهم حمّلوا أمانة التشريع والرقابة أمام الله وأمام ناخبيهم وأمام التاريخ، ومما يزيد هذه المسؤولية صعوبة أنها لا تختص بالتشريعات الجديدة التي ترسم ملامح المستقبل فقط، بل تعني تصحيح مسار القوانين السيئة والمشبوهة التي أقرها مجلس 2013، إما بإلغائها أو رد الاعتبار لها، خصوصا قانون الحرمان السياسي والإعلام الإلكتروني والحبس الاحتياطي على قضايا الرأي، أو المحكمة الدستورية وهيئة مكافحة الفساد والذمة المالية، ومثل هذه الانتقادات والوعود جاءت على لسان مجموعة من النواب الشباب خلال حملتهم الانتخابية. المسؤولية الثانية تتمثل بإصلاح النظام الانتخابي، فرغم فهم قواعد اللعبة في نظام الصوت الواحد وفوز مرشحين متميزين وفق هذه الآلية يبقى هذا النظام ضعيفاً من حيث خلق رأي عام وطني، وتحوله إلى أداة للتفرقة بين أبناء البلد الواحد، وأيضاً تمزيق النسيج الوطني ومكوناته سواء على مستوى القبيلة أو العائلة أو الطائفة الواحدة.
المسؤولية الثالثة التي حملتها نتائج الانتخابات هي حالة الإحباط واليأس من كثرة صور الفساد وتراخي إرادة الإصلاح والتنمية لدى عموم الناس، وتحديداً الفئات الشبابية منهم، ولكن إفرازات صناديق الاقتراع أشعلت شمعة الأمل في هذا الطريق، وبات الجميع يعوّل على النواب الشباب كبديل ناجح في هذا المشروع.
نعم لا تتوقع أن يكون لهؤلاء النواب الصغار العصا السحرية أو القوة الخارقة في ظل خبراتهم الحياتية والمهنية اليافعة في مقابل حجم هذه المشاكل وتراكمها، ولذلك إن كانت هناك بعض النصائح المتواضعة فأوصيهم ونفسي أولاً بالتمسك بتلك المبادئ والشعارات الجميلة والناصعة التي أعلنوها إبان أنشطتهم السياسية السابقة وخطاباتهم الانتخابية، وفي مقدمتها الخطاب الوطني والهم الكويتي والتعالي عن الأطروحات الرخيصة فئوية كانت أم طائفية أم عرقية. بالإضافة إلى ذلك، منذ لحظة دخول البرلمان سيسجل التاريخ مواقف النواب، ويصنفون سياسياً ووطنياً إما مع الدستور والشعب أو مع المصالح الضيقة والمكتسبات الخاصة، لكن سنوات العضوية ستطوى يوماً ما مهما طالت، وتبقى سمعة النائب وذكراه في قلوب الناس وعقولهم.
ثالثاً، الحياة السياسية ليست حافلة ومليئة بالمطبات والعراقيل فقط، بل بالمغريات بكل أنواعها، وقد لا يصمد أمامها إلا من تسلّح بالإيمان ومخافة الله، وحصّن نفسه بحب بلده وسمعة عائلته وتربيته، وعادة ما يبدأ طريق الانحراف بخطوة قد تكون صغيرة، أو موقف واحد يخدش هذه الحصانة، وندعو للجميع بالثبات والاستقامة.
النصيحة الأخيرة نتمنى أن يشكل النواب الشباب، ليس بخساً بالنواب الأخيار جميعاً من المخضرمين وأصحاب السجل الوطني النزيه، نواة كتلة برلمانية يلتقون فيها على قواسم وطنية ومكتسبات شعبية مشتركة، ليكونوا دائماً أصحاب المبادرة، مع الاستفادة من خبرات زملائهم مهما اختلفوا معهم في الرأي، وأن يتواصلوا فيما بينهم بالتمسك بمبادئهم ويتبادلوا الشعور بأنهم من الناس، وقد جاؤوا لخدمة الناس.
مع كل التمنيات لنوابنا الشباب بالتألق والنجاح!