نظَّم مركز جابر الأحمد الثقافي (دار الأوبرا) مساء 11/30 الماضي محاضرة بعنوان «الثقافة ترف أم بقاء؟»، حاضر فيها وزير الإعلام الاسبق سعد بن طفلة، وأدارها وزير الإعلام الأسبق محمد السنعوسي. ذكر الأستاذ بن طفلة أن الثقافة لها عدة تفسيرات لغوية، فهي تعني أيضاً الأدب والفطنة، معتبرا أن المثقف قد لا يكون متعلما، ولكنه يكون مؤدبا وذا سلوك، وليس علما فقط. وقال إن الثقافة تعني كذلك الحضارة، وأن تكون مختلفا عن الآخرين. وبيّن أنه في علم المعاني تستمد الكلمة معناها من ضدها، أي لا بد لكل شيء من ضد، وحتى البشر غير متشابهين، ولكل منهم نقيضه أو شخص مخالف له، ولا بد من التعايش مع ذلك الأمر، لا أن نلغيه. واستطرد قائلاً إن الثقافة ليست مبدأ إلغاء، وليس لأحد أن يلغي الثقافات وتنوعها، ويقاتل من أجل أن ينشر ثقافة واحدة فقط ويلغي الأخرى أو يقصيها، لأن الثقافة بقاء ولا يمكن إلغاؤها، بل يجب التعايش مع التنوع الثقافي من اجل البقاء وهي ليست ترفا.
وقال إن هناك اختلافات في المجتمعات، أبرزها اختلافات عنصرية وفئوية وعرقية وغيرها، ولا يوجد مجتمع متجانس. لكن مفهوم التعايش وتقبل الآخر هما المتفاوتان في ما بين المجتمعات. وقال إن القبول بثقافات الآخرين واختلافهم ليسا من مبدأ الترف، بل هما من أجل البقاء، ففي حال رغبت أن تكون ثقافتك هي السائدة، بإلغاء بقية الثقافات، فأنت من سيكون الضحية، وستزول ويبقى اختلاف الثقافات.
لم تتسنَّ لي ـــ بسبب وجودي في الخارج ـــ المشاركة في المحاضرة. ومن الواضح أن الصديق المحاضر، ومن شارك في التعليقات عليها، كانا حذرين في موضوع الاختلافات بين الشعوب. ولو كانت المحاضرة مغلقة، أو مقامة في منطقة أكثر انفتاحا وتحررا فلربما سمعنا كلاما أكثر وضوحا، ولكن هذا لا يقلل كثيرا من أهمية ما قيل فيها. كما وجدت أن تعريف المثقف كان ناقصا، وكأن لا علاقة له بالقضايا والمواقف الدينية، الإسلامية بالذات. فمن وجهة نظري أرى أن من الصعوبة بمكان أن يكون الإنسان متشددا أو حتى ملتزما دينيا، ويكون مثقفا في الوقت نفسه، مهما بلغت درجة علمه أو أدبه أو دراسته. فأتباع الأديان لهم مواقف حادة، تتفاوت في الحدة من دين لآخر، من أتباع الديانات الأخرى. وبالتالي من الصعب وصف إنسان بالمثقف وهو الرافض أساسا للآخر، مصاهرة، تعايشا أو حتى مصيرا! ولكي يكون الإنسان مثقفا عليه القبول، من دون تحفظ، بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، علما بأن غالبية الشعوب الإسلامية ترفض نقاطا ذات أهمية قصوى ضمن تلك المبادئ، كحقوق المرأة، وما يتبعها من حضانة وإرث وغيرها الكثير، فكيف يمكن بالتالي للرافض لها أن يكون مثقفا؟ وعلاقة الإيمان بحقوق الإنسان لا تنطلق فقط من أهمية تلك المبادئ، بل بما يتطلبه الإيمان بها من ضرورة الإحاطة بعلوم شتى، مع التجرد من التحيز، والبعد عن التطرف، والتحلي بالتسامح، وحب الخير وقبول الآخر، وجميعها من أساسيات تعريف المثقف.