بعد التحرير كان الصراع على رئاسة مجلس الامة بين السيد احمد السعدون والمرحوم جاسم الخرافي. وقتها، كنا من مؤيدي السيد السعدون الذي لم تكن الحكومة ترغب في عودته او استمراره في رئاسة المجلس. لكن لما طرح البعض ضرورة حيادية الحكومة او امتناعها عن التصويت في معركة الرئاسة كان موقفنا في ذلك الوقت ان التصويت داخل المجلس حق دستوري للوزراء، من الواجب عليهم ممارسته ويجب الا يسلب منهم وفقا لمصالح وشهوات البعض. تستطيع الحكومة ان تمتنع او ان تنحاز لمشروع او طرف اذا كان هذا تعبيرا عن سياستها الخاصة. ووفقا لمناورات وتكتيكات سياسية مشروعة. لكن ان تتنازل عن حقها استجابة لدعوة البعض وتجنبا لاحراج مزعوم فان هذا التنازل هو تخل عن واجباتها الدستورية وتنصل من مسؤوليتها في الادارة والهيمنة على امور البلد.
وقتها طرح البعض ايضا ضرورة ان يترك الخيار للوزراء. كي يصوتوا فرديا في انتخابات الرئاسة واللجان. والواقع ان هذا اكثر سوءا من دعوة الحكومة الى الامتناع عن التصويت. فهو يستهدف التضامن الوزاري. ويسعى للقضاء عليه في المهد بجعل كل وزير يبتدئ نشاطه النيابي منفردا. وفي هذا مخالفة للعديد من المواد الدستورية والاصول البرلمانية.
حق الوزراء في التصويت، حق دستوري عليهم واجب ممارسته بما يتفق والسياسة العامة للحكومة. وهو في الواقع ما يميز نظام الحكم الكويتي الذي جاء خليطا من النظامين الرئاسي والبرلماني. واي تنازل من الوزراء عن ممارسة حقهم في التصويت هو إخلال بالتوازن بين البرلمانية والرئاسية في الحكم الذي «ابتدعه» المشرع الكويتي.
ان وجود الوزراء او النواب المعينين كان ضرورة لاثراء «التجربة» الديموقراطية في الكويت. وكان من المفروض ان يتم تجاوز هذه «البدعة» بفعل الخبرة والممارسة. لكن المؤسف انه نتيجة العبث الذي تولاه بشراهة بعض اركان السلطة منذ الستينات في اوضاع البلد السياسية والاجتماعية فاننا ما زلنا حتى اليوم بحاجة الى وجود «الكنترول» الرئاسي او التزاوج القسري بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني الذي ابتدعه المشرع الكويتي.
والى ان يتم تطوير نظام الحكم الكويتي او على الاقل تغيير المادة 80 من الدستور فان تصويت الوزراء في مجلس الامة وتضامنهم يبقى واجبا وليس حقا وحسب.