تمر علينا بعد يومين ذكرى تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم، الذي عاث في الكويت فساداً وقتل وأسر ودمر، وأتلف وألحق بالبلاد والعباد أضراراً لا حصر لها، وقد سخّر الله سبحانه للكويت وأهلها بما جبلت عليه من أعمال الخير والمساهمات الخيرية والإنسانية التي وصلت إلى شتى أصقاع الأرض، فكان تحالفاً دولياً فريداً نصرة للكويت وأهلها فدحر الغزاة وردهم خائبين، وأنعم الله علينا بنعمة التحرير منذ ما يقارب ربع قرن في 26 فبراير 1991، والسؤال هل تبدلت أحوالنا للأفضل منذ ذلك التاريخ، وهل تحررت عقولنا لنسعى إلى تصحيح مسار بلدنا ونتجنب أسباب وأحوال وظروف الغزو؟ أقول بكل أسف ذلك لم يحدث، إن أحوال البلد في انحدار متزايد، وعقولنا لم تتحرر من الكثير من الأفكار والممارسات الفاسدة.
فالسياسات الحكومية التي تسير بفكر استهلاك وإهدار موارد البلد وربما أحياناً التنفيع بالمشاريع، وغياب رؤية حكومية متكاملة للمشاريع لا تزال نمطاً سائداً، ومنهج كل وزير يتصرف بوزارته بعيداً عن الهيمنة المطلوبة لمجلس الوزراء ثقافة مستمرة، لوزير يعين وكلاء وآخر يحيل غيرهم إلى التقاعد باجتهادات، بل ربما أهواء شخصية. والصحف التي كانت تصدر في الكويت قبل الغزو بعضها ما زال يهيمن على فكرها الأفكار ذاتها التي تهدف أحياناً إلى إثارة الفتنة والشقاق والفراق في البلد، فتحريضها الطائفي والفئوي وانحيازها الفكري وتأليبها السياسي سمة بارزة لنهجها الفاسد، كيف لا ومن يسيطر عليها وافدون ليسوا من أبناء الوطن، بعضهم لديهم أجنداتهم الخاصة وانحيازهم الفكري والطائفي ولا يهمهم أمن البلد بكل أسف.
والتعيين بالوظائف والترقي فيها مثل التعليم والعلاج بالخارج والبعثات كلها تتم بمحسوبيات وواسطات بلا معايير وبصورة عشوائية، خلافاً للعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، مما زاد مشكلات البلد وأحبط المواطنين، وقبل ذلك وبعده أعضاء مجلس أمة يعيشون على الانتهازية السياسية وخرق القوانين والخروج على الأنظمة، لأن ثقافتهم هي التكسب والتشفي والشخصانية بعيداً عن المصلحة العامة، مما ضاعف مشكلات البلد، إذ تحررت البلد ولم تتحرر العقليات.