اذا كان الذين اساؤوا الى القضاء قد اساؤوا الى انفسهم ايضا. وإذا كانت براءة السادة القضاة من اتهاماتهم ادانة سياسية وربما قانونية لهم، فان كل هذا العقاب لا يكفي. ولا يتناسب حقيقة مع الاضرار العامة التي ارتكبها المستعجلون او المتهورون.
فهؤلاء لم يشككوا بذمة القضاء وحده، وهو تشكيك كارثي بحد ذاته، ولكنهم اصابوا العمل السياسي العام، والنضال الوطني بمقتل سيحتاج الى امد طويل للتعافي منه، والانفلات من آثاره وتبعاته ومساوئه التي طالت العديد من المؤسسات والشرفاء في البلد.
ان الذين روجوا للمزاعم الكاذبة حول فساد القضاء او انحيازه، هم مع الاسف من تصدى لقيادة العمل السياسي «الوطني» في الفترة السابقة. ورغم تحفظنا هنا منذ البداية على طبيعة النشأة القبلية والدينية للمجاميع التي تولت الحلول مكان المعارضة الوطنية، ورغم كشفنا لزيف طروحاتها واصولها القبلية الدينية منذ البدء. الا انها مع الاسف تمكنت، وبمساعدة بعض القوى الوطنية او على الاقل بتغاضي هذه القوى عن سوء اعمالها وطروحاتها، تمكنت من تمثيل العمل الوطني وإقناع قسم كبير من الشارع العام بوطنيتها وحتى قيادتها للعمل السياسي العام طوال الفترة السابقة، والى حد ما حتى هذه اللحظة.
لهذا سيكون صعبا على العمل الوطني وعلى القوى الوطنية الديموقراطية الحقيقية امر التعافي او التغلب على الاضرار التي لحقت بالمعارضة الوطنية التي شوهت بنجاح كبير صورة النضال الوطني، بل اهدافه ومراميه.
هذا يجعل من الضروري حاليا فك اي ارتباط مشبوه بالمجاميع السياسية المتهورة وعزلها عن النضال الوطني من اجل الاحتفاظ بتاريخ وواقع هذا النضال. وبالتالي التصدي او الوقوف بوجه اي استغلال او تشويه سواء متعمدا او بريئا له.
لقد طالب البعض مجاميع التخلف القبلي الديني بالاعتذار والتراجع او إبداء الاسف عن الاكاذيب والمزاعم التي طرحت. ونسي هؤلاء ان تلك المجاميع لا تملك في الواقع المصداقية الكافية او الارث والرصيد السياسي المحترم الذي يغطي ذلك. اعتذار مجاميع التخلف هو «شيك بلا رصيد» لن يغني ولن يسمن من جوع، ولن يغير كثيرا في الامر. فالتشويه الذي لحق بالعمل الوطني مستمر والطبيعة المتخلفة للمعارضة الجديدة تفرض عليهم الاستمرار في نهجهم وكذبهم السابق فهم اصلا لا يملكون شيئا غيره.