يولد المولود منا، وفي فمه ملعقة من التعاليم، والعادات والتقاليد، والممنوعات والمحرمات، وما يقال وما لا يقال، وقائمة طويلة من المفردات الواجب حفظها وإن لم يفهمها. ويا ويله، ويا سواد ليله، إن فكر، مجرد تفكير، في رفضها، أو حتى النقاش حولها، ستُرفع بيارق الحرب في وجهه، وسيقرأ رسالة من أبيه، وعمه وأخيه؛ «السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فلقد كسرت عاداتنا، وجرحت تقاليدنا، والرد ما ستراه بعينك التي سنفقأها، وما ستسمعه بأذنك التي (سنمصعها)، وما ستطأه بكرعانك التي سنقطعها…».
ويُمدح الواحد منا، ويُقدح، على أمورٍ «الكيلو فيها بربع ريال»؛ فهو «راعي مجلس»، و«صاحب سالفة»، وشاعر، ونسّابة، ما شاء الله تبارك الله، ولا ينشغل عن «مجالسة الرجال عطران الشوارب» بتوافه الأمور، كمتابعة الاختراعات التكنولوجية، أو لعب التنس الأرضي، أو التركيز على مشروعه الصغير في الانستغرام، أو ما شابه. مع إن «توافه الأمور» هذه قد تدر عليه مالاً طائلاً، ينفعه وينفع أباه وعمه وأخاه، لو كانوا يعقلون، ويجعلهم يكتبون له «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد، فلا حرمنا الله وجودك، ولا مالَ عودك، ولا نفد وقودك ولا نقودك»، لكنها العادات المقدسة، أو بعضها، الرافضة للجديد، والتي لا تلين وإن لان الحديد.
والنتيجة، كما نرى وترون؛ شاب يرى الحياة ليست إلا حفظ الشعر، وإهدار الوقت في مجالس يسودها الحكي والرغي واللت والعجن، وفلان شجاع، وفلان بخيل، وفلان ابن فلان سيدخل النار، وخالته ستدخل الجنة.
وهكذا، ننتزع من أطفالنا قيمة العقل، وقيمة السباق مع الزمن، والتحدي، والخروج من شرنقة كل ما هو قديم بالٍ بلا نفع، والخشية من كل ما هو جديد، لتخرج لنا أجيال جوفاء، بنسخة مغشوشة، تردد ما يردده آباؤها وأجدادها، وتفعل ما يفعله الأولون.