قبل 10 سنوات تقريبا شاركت الصديق الفلكي عادل حسن في وضع إكليل على قبر الكابتن وليام شكسبير في حديقة السفارة البريطانية. تذكرت تلك الحادثة وأنا أقرأ تقرير مجلة البي بي سي عن ذلك الرجل بمناسبة مرور مئة عام على علاقته التاريخية بمؤسس السعودية، عبدالعزيز بن سعود، وعلى مقتله!
ولد شكسبير في الهند عام 1878، وعمل مع الإدارة البريطانية هناك، وعين عام 1909 مقيما سياسيا في الكويت، وجمعه الشيخ مبارك الصباح في العام نفسه بابن سعود، ونشأت بين الاثنين صداقة، ثم اصبح شكسبير بعدها مرافقا له حتى مقتله. كان شكسبير يتحدث العربية والأردو والفارسية والبشتون، كما كان رحالة ومكتشفا ومصورا ماهرا، وهو أول من صور ابن سعود. كما نجح عام 1914 في قطع ما يقارب الـ 3000 كلم في رحلة من الكويت إلى الرياض، فالعقبة وصحراء النفوذ، وسجل ملاحظاته بتفاصيل دقيقة، ووضع خرائط غير مسبوقة لشمال الجزيرة، كما نجح في كسب ثقة ابن سعود، واصبح ملازما له، ولا أدري كيف اصبح يعمل معه، وهو المقيم السياسي في الكويت.
لم يضيع شكسبير وقته، منذ أن وطئت قدماه ارض الجزيرة، حيث اختلط بالأهالي وتعلم عاداتهم ومارس طرق معيشتهم، وشارك في رحلات الصيد، وكانت معرفته بالصحراء مصدر إعجاب ابن سعود، الأمر الذي مهد للقاءات عديدة بينهما نتج عنها تغيير تاريخ المنطقة، وكانت مصالح بلديهما مدار حديثهما غالبا، خاصة أن عدوهما كان مشتركا، اي العثمانيين وحلفائهم من ابن الرشيد. واصبحت علاقتهما أكثر أهمية مع نشوب الحرب العالمية الأولى ووقوف تركيا مع ألمانيا، وكان من المتوقع ان يوقع الاثنان على اتفاقية أمنية بين بلديهما ليلة رأس سنة 1914، ولكن ورود أنباء عن قيام ابن الرشيد بتجهيز جيشه لاستعادة الرياض من ابن سعود أجلت عملية التوقيع. وهكذا التقت قوات الطرفين يوم 17 يناير 1915 في منطقة جراب، شمال المجمعة، تلك المعركة التي لقي فيها شكسبير حتفه، ولم يعرف أحد على وجه اليقين كيف حدث ذلك، ولكن، بسبب تعدد الروايات، إلا أن المكتبة البريطانية قامت مؤخرا بنشر ملخص شهادة طباخه الخاص، والتي ورد فيها أن شكسبير أخذ كاميرته واعتلى تلة مشرفة على أرض المعركة، ولكنه اختفى، ويبدو أن قوات ابن الرشيد أسرته، ولكنه هرب منها، ولكن بعدها بيومين وجدت جثته وقد اخترقتها ثلاث رصاصات، ولم يكن قد تجاوز الـ37 من عمره! ولا أعرف شخصيا كيف وصل جثمانه الى الكويت ودفن فيها، فالمراجع لم تتطرق الى هذا الأمر.
المهم أن بريطانيا وقّعت الاتفاقية الأمنية مع ابن سعود بعدها بقليل، بالبنود نفسها التي وضعها شكسبير. كما كان لشكسبير الفضل في اعتراف بريطانيا بابن سعود ملكا، وكان الاعتراف الأول والأهم في تاريخ الدولة الوليدة. ولو طال العمر بشكسبير لكان له شأن وتأثير اكبر على تاريخ المنطقة، أسوة بلورنس العرب!