مع كل دولار ينزل من سعر برميل النفط على السلطات الحاكمة في دولنا نتوقع زيادة مقابلة للتمرد والرفض للدولة وسياساتها، طالما ظلت ممارسات المحاباة في توزيع الدخل سائدة. نتذكر، مثلاً، وزارة أحمد نظيف في مصر قبل ثورة يناير 2011، التي سميت وزارة رجال الأعمال، كان هناك أحمد عز رجل الحزب الوطني الحاكم سابقاً، وهو يعد من أكبر رجال صناعة الحديد، الذي عمل لتأسيس احتكاره لصناعة الصلب «بلوبي» في وزارة نظيف لرفع رسوم استيراد الحديد، وإضعاف قوانين منع احتكار صناعة الصلب، وكانت له سلطة مؤثرة بلجنة الميزانيات في البرلمان، سخرها لخدمة مؤسساته حين أخمد كل قوى منافسة له في صناعة الصلب. أيضاً نتذكر أحمد المغربي وزير الإسكان في الوزارة نفسها، رجل الأعمال الثري، وأكبر مالك في مؤسسة «بالم هل كور بريشن» نجد أنه اتهم بشراء أراضي الدولة بأثمان بخسة عبر شركته، وإبرازه مؤسسته بوضع أفضل من المنافسين الآخرين، مستغلاً منصبه وسطوته في الوزارة. اتركوا مصر، ولنذهب إلى تونس قبل ثورتها أيضاً سنجد مثالاً مشابهاً هو شركة «أورانج تونس للاتصالات» التابعة لشركة فرنسية، التي احتكرت الاتصالات بتونس، كان يمثّلها مروان مبروك وزوجته سيرين بن علي ابنة الرئيس زين العابدين بن علي… كانت تلك صورة من صور لا حصر لها في استغلال السلطة والنفوذ على حساب المصلحة العامة.
لو رجعنا لمعظم دول النظام العربي سواء كانت من بني نفط أو من بني بؤس، سنجد صوراً لا تعد من وزارات نظيف، وتكراراً طويلاً لشخصيات «رجال أعمال» يعرفون من أين تؤكل الكتف في دول ضعيفة مؤسساتها البيروقراطية القانونية، وبعيدة عن حياد «حكم القانون».
كلمة «كرونيزم» تكررت مرات كثيرة في كتاب «الاقتصاد السياسي لحركات التمرد العربي» (لم يترجم لمؤلفيه ميلانك كوميت وإسحاق ديوان). وجدت ترجمة «كرونيزم» بقاموس المورد تعني «الصحبة أو الصداقة الحميمة»، لكن في مثل حالات دولنا العربية، وليس هناك أسوأ منها غير دول ما تحت الصحراء الإفريقية، «كرونيزم» تعني رأسمالية الفساد واستغلال علاقات الصداقة والقرابة لتحقيق منافع شخصية. ويذكر المـؤلفان أنه لا ضير في أن تشجع الدولة المؤسسات الخاصة وتدعمها، فكوريا الجنوبية فعلت ذلك مثلاً مع «شابول»، وهي مؤسسة صناعية لعائلة، لكنها فعلت ذلك بنزاهة وحياد وليس على حساب آخرين منافسين، مثلما يحدث في دول «أنا وأخي على ابن عمي… وأنا وابن عمي على الغريب…!»، «كرونيزم» هي ثقافة شللية قبلية سرطانية تنخر في عمق مؤسسات الدولة.
لا ننسى اليوم، ونحن أمام تحد كبير بتهاوي أسعار النفط، أن ضيق الحال الاقتصادي وتضاؤل فرص العمل ليسا بحد ذاتهما من أسباب خروج الجماهير في حركات تمرد وثورات يجد الشباب فيها مع واقع ضمور الوعي السياسي والثقافة الإسانية متنفسا بحركات التطرف الديني أو الارهاب، وإنما غياب العدالة والحياد في توفير فرص العمل، وانحياز سلطة القانون في التشريع والتطبيق لجماعة وأفراد دون آخرين هو بنزين حركات التمرد والانقلاب على السلطات… فلننتبه.
مقالات أخرى
داعشي صغير في الذات العربية
لماذا يضحك؟!
ما بعد «تت» لا شيء!
لو كان عندنا عشرة مثله!
مناخ محبط