من الواضح أن الحريات عامة، وحرية القول والنشر، تعاني تراجعاً في العالم. وحتى الدول الغربية، التي طالما قدّست هذه الحرية، وجعلتها من أعمدة دساتيرها، بدأت أخيراً في وضع قيود عليها، إما خوفاً من ردود فعل جهلتنا ممن قد تسيء إليهم حرية النشر مثلاً، أو خوفاً على مصالحها التجارية وعلاقاتها السياسية. والمؤسف أن الدول العربية، التي تعاني مشكلة الحريات عموماً، ومن التضييق الشديد على حرية القول والنشر، هي بحاجة أكثر من غيرها إلى هذه الفضيلة بسبب أوضاعها المهترئة، ومعاناة أغلب شعوبها من الظلم الذي ساهمت أحزاب الآثام والشرور، من إخوان وغيرهم، في تكريسه، ودفعها للحكومة لأن تكون أكثر تشدداً مع مواطنيها، وتمنع عنهم الاطلاع على تراث البشرية، خصوصاً ما قد يثير من غريزة التساؤل لديهم. كما ازداد بطش معظم دولنا بالحريات مع تقدم وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة وعي الشعوب بأوضاعها وحقوقها، وما يعانيه المغردون في الكويت، وما تعرض إليه المغرد السعودي رائف بدوي من حكم قاس غير مسبوق، وما تواجهه الكاتبة المصرية فاطمة ناعوت من حكم قاس بعد أن تم تحويلها إلى محكمة الجنايات بتهمة ازدراء الأديان، وما يتعرض إليه داعية حقوق الإنسان نبيل رجب في البحرين من سجن، كل هذا على سبيل المثال لا الحصر خير دليل على ما أصبحت حكوماتنا تتسم به من ضيق صدر بالنقد.
ما لا يعرفه أصحاب الصدور الضيقة أن الأديان، من دون استثناء، تعرضت طوال تاريخها إلى الهجوم والازدراء، ولكنها صمدت، وزاد أتباعها. والمؤسف أن هذا التضييق على الحريات أصبح سلاحاً بيد أي حكومة جائرة، بعد أن تبين أن التهم المغلّفة بالدين عادة ما يتم السكوت عنها، ويسهل من خلالها الانتقام من أعداء النظام، وتلفيق التهم الدينية أمر سهل.
لقد راقبت سلطات عشرات الدول مواطنيها وعدت أنفاسهم ليل نهار، وضيقت عليهم عيشهم وحاسبتهم على كل كلمة، كما كانت تفعل ولا تزال أنظمة عديدة. وقد رأينا كيف تسببت عمليات المراقبة والملاحقة هذه تالياً بانهيار كامل النظام بزوال الطاغية، وهذا ما حصل في ليبيا والعراق وغيرهما. فقد تسببت طريقة الحكم الجائرة في إيصال الأوضاع في تلك الدول إلى ما هي عليه الآن من خراب ودمار. والحرية لم تكن يوماً طريقاً للخراب، بل طاقة نور يمكن من خلالها رؤية الحقيقة التي لا تود أنظمة كثيرة من مواطنيها التعرف عليها. وعلى الرغم مما نلاحظه في الكويت من تضييق على الحريات، بشكل عام، فإن سقف الحرية لا يزال بنصف خير، والدليل نشر هذا المقال.