أسوأ شعور ينتابني، هو شعوري عندما أقرأ لكاتب “كبير”، يتذلل بقلمه للسلطات العربية القامعة، ويحمّل الشعوب مسؤولية التدهور، ويبرئ الحكام، قبل أن يتلذذ بأطعمة موائدهم، وثمر بساتينهم، مستغلاً بذلك رشاقة قلمه، وشهرته، ومعرفته بتفاصيل لحم الكتف.
كنت أتمنى أن أشاهد وجهي وأنا أقرأ لهؤلاء “الكبار”. صدقاً كنت أتمنى أن أشاهد القرف كيف يظهر على ملامحي، والازدراء كيف يرسم خطوطه على عيني وشفتي، وكيف تكون ردة فعلي على كل مقالة لزجة أقرأها لكاتب كان كبيراً فأصبح لزجاً، مطاطياً، بلاستيكياً، مقرفاً، طفيلياً يمتص الدماء.
على أن التذكير بأنه ليس كل كاتب عربي قديم هو كاتب قدير، أمر مهم جداً. لكنني أتحدث هنا عن ذوي الأقلام السلسة، والجمل المدهشة، والمفردات الفاتنة، والمعلومات المبهرة، والثقافة الواسعة، والخبرة الطويلة… فيأتي أحدهم، وهو في أرذل العمر، ليجعل كل هذه المواهب أدوات جريمة، فيشوه صور الشعوب، ويشخبط عليها باللون الأسود، ويلون صور الطغاة باللون الوردي الناصع. اسفخس!
وكم من كبير صغُر، وكشفت الثورة مكنوناته، وطوله الحقيقي، سواء كان من الكتاب أو الفنانين أو غيرهم من المشاهير، ممن كبرتهم الشاشات، فظننا أنهم عمالقة، فإذا كل منهم أصغر من حشرة. وكم من صغير تعملق، وطاول باسقات النخيل، وكشفت الثورة حقيقة معدنه، وشجاعته، وصلابة مبادئه، وظهر في أبهى الصور أمام أعيننا وأعين كتب التاريخ.
ولو لم يكن للثورات من ميزة إلا كشف الأقنعة، وإسقاط الحواجز التي كان البعض يختبئ خلفها، لشكرنا لها سعيها، وأثنينا عليها.