آمنت في مراهقتي، ومن واقع بسيط قراءاتي، أن الحل لكل مشاكلنا الطائفية والدينية يكمن في فصل الدولة عن الدين، باعطاء ما لله لله وما لقيصر لقيصر. بعد نصف قرن من كسب الخبرة والتجربة والقراءات المتنوعة، اصبحت على قناعة تامة بأن العلمانية هي الحل الوحيد لأوضاعنا المأساوية «الكسيفة»، والأمثلة أكثر من ان تحصى، وقد تكون أحداث مصر الطائفية الأخيرة، التي راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح، بعد تلاحم جيوش الأقباط والمسلمين والقوات المسلحة في عنف طائفي فور انتشار خبر هدم كنيسة متواضعة في قرية نائية بصعيد مصر، أحد الأمثلة الحية الصارخة! هذا الهوس الديني الذي اجتاح مصر، وغيرها من مناطق المسلمين، لا تمكن السيطرة عليه بحسن الكلام وجميل النصيحة وترداد وتكرار النصوص الدينية التي تحض على التآخي والحلم والصبر ومحبة الآخر، فمقابلها هناك كم هائل من النصوص، عند كل الأطراف، التي تقول عكس ذلك! وبالتالي نحن بحاجة لأتاتورك عربي يشرع للعلمانية ويفرضها، ولو بالقوة! فهذا الهوس الديني المجنون، الذي لا يقتصر على المسلمين، على الرغم من أنهم الأكثر شراسة وعنفا لكونهم الأكثر عددا، لا يمكن حله بالتراضي أو بتجاهل وجوده، بل بالتصدي له بحلول جذرية والتحول للدولة المدنية بأقرب وقت، خاصة مع اصرار كل طرف على التصرف حسب قاعدة الفعل بالمثل، وليذهب التسامح الى البحر ولتمت المحبة، فتلبية مطالب النص الديني أجدى وأكثر ثوابا ومنفعة.
لقد سبق ان قال الغرب بكروية الأرض فقلنا له اذهب الى الجحيم، وثبتت الرؤية بعدها وصح ما قالوه، ولكن بعد خسارة قرون من المعرفة! ثم نادى الغرب بالديموقراطية، كأفضل أنظمة الحكم، فرفضنا ونادينا بشورى هلامية وتشاور غير واضح، فتحكم العسكر والطغاة بأعناق شعوبنا، وعندما حان الوقت لنقتنع بصحة ما نادوا به كان الظلم قد طحن النفوس وأهان الكرامات، وأمات الأمل في القلوب! وعندما قال الغرب ان على دول العالم اتباع العلمانية منهج حياة ونظام معيشة، طلبنا منه أن يصمت ويبلع الورق الذي كتب عليه مبادئها، وأن يذهب الى حيث ألقت أم عمر رحالها! وهنا أيضا سيمر وقت طويل قبل أن نقتنع لأن الغالبية لا تزال على رفضها للعلمانية نظاما يحفظ حقوق الجميع في العيش بسلام ومحبة، ورفضها الآن لا يعني أن الوقت لن يأتي ونقتنع بها، كما اقتنعنا في نهاية الأمر بكل ما جاء به الغرب من مثل ومبادئ تصلح للانسان والحيوان والنبات، بل سيأتي، ولكن كالعادة، بعد فوات الأوان.
أحمد الصراف