ليس من الصعب تخيل شكل الحياة وطبيعتها في الكويت قبل مئة عام. فالصور والمؤلفات وكتب الرحالة، الأجانب بالذات، والأشعار التي تضمنت وصفا ما البيئة ونوعية الحياة في تلك المرحلة، تكفي لخلق تصور واضح عن صعوبة الحياة ونقص الخدمات، وشظف العيش، وانعدام الرعاية الصحة، وصعوبة التنقل، مع انتشار الأمراض وندرة المياه الصحية، وغياب تام للطعوم المضادة للأوبئة الفتاكة، وانتشار الأمية. وربما كانت «واحة» مستشفى «الإرسالية المسيحية الأميركية» هي الاستثناء، حيث كانت تتوافر فيها اشياء كثيرة يفتقدها المواطن العادي أو لا يعرف عنها. كل هذه الأمور جعل متوسط حياة الفرد في المنطقة لا يتعدى الخمسين عاما بكثير. كما كان الجميع تقريبا يشكون من مرض أو اكثر، وهذا دفع الكثيرين لمحاولة العيش في مناطق اخرى ، كالبصرة والهند وغيرها، إما بحثا عن فرص العمل والتجارة، او هربا من قسوة الحياة.
وبالتالي من الغريب سماع من يردد، ربما دون إدراك، دعاء، «اللهم لا تغير علينا»، علما بان القاعدة القديمة، قدم البشرية، تقول ان دوام الحال من المحال! فلو لم تتغير علينا الحال، مثلا، ولم يخرج البترول من باطن أراضينا، لكنا لا نزال نقطع المسافات سيرا على أقدام، وغالبا حفاة. ولو لم تتغير الحال بنا لكنا لا نزال نتداوى بطب السلف، ولبقي متوسط حياة الفرد في مجتمعاتنا لا يتجاوز 45 عاما، ولم يصبح اليوم يتجاوز السبعين عاما بكثير.
ولو لم تتغير الحال لبقيت الاوبئة الفتاكة تأكل فينا قتلا وتشويها، ولكانت نسبة وفيات المواليد الجدد لا تقل عن النصف.
ولو بقيت الحال على ما هي عليه، لكنا لا نزال نعاني شظف العيش ونتناول اقل المواد الغذائية منفعة، ولما عرفنا المستشفيات الحديثة ولا العمليات الجراحية المعقدة، ولا حتى «إدارة العلاج في الخارج»، ولما تطورات قدراتنا في الوقاية من الأمراض، إن من خلال انتشار ثقافة النظافة والتعقيم واستخدام افضل المنظفات، أو مع اختراع الأمصال والأدوية الحديثة.
ولو بقيت الحال دون تغيير لكانت اشكالنا سيئة واسنان خربة وشعرنا كالأسلاك، وايدينا واقدامنا، وركبنا طبعا، في خشونة جلود التماسيح.
ولو بقينا على حالنا لكنا لا نزال ندرس لدى كتاتيب الملا، ونجلس القرفصاء على الأرض، ولما اصبحت مدارسنا واحات مكيفة، وسياراتنا بيوتا متنقلة.
ولو لم تتغير الحال لبقيت طرقنا متربة، وعيوننا يملأها الرمد.
نعم تطورت الحياة وتطورنا معها واستفدنا والبشرية جمعاء لأقصى درجة من التقدم العلمي الكبير، وبالتالي علينا ان نطالب ونتوقع تغير الحياة علينا، ولكن دائما إلى الأفضل.