دعاني صديق «زكرتي» لتناول الافطار معه في شهر رمضان الماضي. دخلت البيت واذ بصوت مقرئ القرآن يملأ أرجاءه. ما ان حل الافطار حتى تناول الجميع بضع تمرات وأردفوا شفة من كوب لبن وراءها، وترك المضيف طاولة الطعام ليؤدي الصلاة، فاضطررنا، احتراما له لانتظاره، ولكنه عاد في الوقت المناسب، وقبل أن نموت من الجوع. بعد انتهاء الافطار جلسنا بعدها جميعا، أنا واهله، في صالة رحبة، وكان صوت مقرئ القرآن لا يزال يملأ المكان رهبة وخشوعا، وان بدرجة أخف. ثم جاءت الحلويات والشاي والقهوة، فتناولنا منها ما لذ وطاب وتبادلنا، وأيضا ما لذ وطاب من حديث، وتطرقنا لأحداث الساعة وجاء عرضا ذكر كتاب «الأمير» للداهية الايطالي «مكيافيللي» وكيف أنه نصح أميره، وولي نعمته، ضمن ما نصح، بأن يكون كرمه مع شعبه قليلا ومتقطعا، ليستمر شكرهم على نعمه، وان يتعامل معهم عكس ذلك عندما يريد انزال الشدائد بهم، وهنا نظر الي صديقي المضيف وقال انه لم يقرأ كتاب مكيافيللي من قبل، ولكنه يطبق سياسته بحذافيرها في عمله. فهو مثلا «مجبر» في أحيان كثيرة على دفع رشى لهذه الجهة أو تلك، ولكنه يصر دائما ألا يدفع الرشوة مرة واحدة، بل على دفعات أو أقساط، لكي يستمر ولاء تلك الجهة له واستعدادها لتقديم الخدمة التي يريدها منها. وهنا حان وقت المغادرة، فودعنا الصديق الزكرتي جدا، بمثل ما استقبلنا به من حفاوة وتكريم وترحاب وترحال، وهرول داخلا بيته ليؤدي صلاة العشاء، قبل فوات أوانها.
أحمد الصراف