أياً كانت الأسباب والدوافع وراء موقف بعض النواب، بمقاطعة جلسة مجلس الأمة يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، فإن ذلك موقف سياسي له انعكاسات وتداعيات بالغة الخطورة على المجتمع الكويتي، فهو يعمق الفرز الطائفي، ويتيح الفرص للمتعصبين والمتطرفين لاختطاف مكونات المجتمع في الجانبين، لكونها جاءت وكأنها احتجاج على حكم المحكمة في قضية “العبدلي”.
وفي ظل ظروف توتر الوضع بمنطقة الخليج العربي، بين إيران ودول الخليج العربي، كامتداد للصراع الدائر في الإقليم، بسبب تدخلها في سورية والعراق ولبنان واليمن، فهذا الموقف يمسح صورة التلاحم الذي شهدته الكويت إبان حادث تفجير مسجد الإمام الصادق في رمضان الماضي.. ذلك الموقف الذي كان بلسماً في تجاوز الخلافات والفروقات وتعزيز الوحدة الوطنية، وإلى جانب ذلك، فهو طعنة في موقف الكويت المتوازن، كدولة وسيطة في الصراعات الدائرة.
الترسبات الموروثة، سواء أكانت اثنية أم عرقية أم مذهبية أم دينية، موجودة في كل المجتمعات، ومسار التطور التاريخي الحضاري، هو تقليص وإلغاء التمييز بين الناس على قاعدة الحقوق والمساواة والعدالة، لكن في ظروف الأزمات، “تنبش وتنعش” هذه الترسبات، لتتحول إلى صراع مكلف، ومن أخطر نتائجه الوخيمة، هو استثمار الظرف من قبل جماعات التطرف والتعصب في اختطاف المكونات الاجتماعية والمذهبية، مثلما يفعل الآن دونالد ترامب، المرشح لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، بإثارة نبرة عدائية ضد المسلمين.
الاحتجاج على أحكام خلية العبدلي والتعريض والتهجم على القضاء غير مقبول، فأي فاحص لحيثيات الحكم يجد أنه عادل، قائم على اعترافات المتهمين بتخزين أسلحة بكميات كبيرة جمعت عن طريق التخابر مع دولة أجنبية، وتنظيم أجنبي، وعمليات تدريب على استخدام السلاح، واتصالات مع عناصر مخابرات إيران، وتسلم أموال منها.
على كل حال، الحكم مازال في مرحلته الأولى، ومن بعده الاستئناف والتمييز، وقد يرى البعض أنه حكم قاس، لكن لا يمكن وصفه بأنه جائر.
أما الحديث عن التمييز والمظلومية، فهو أيضاً في غير محله، فالتمييز، إن وجد، فهو مختلف، وأقل مما كان عليه قبل عقود، وما تبقى منه، فهو ضد المجتمع، بكافة فئاته ومكوناته، وهو نتيجة لغياب تطبيق القانون، الذي يفرض المساواة بين الجميع، (الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين) (مادة 29 من الدستور).
وواجب المواطنين، وبالذات مَن هم في مركز المسؤولية في السلطة التشريعية أو التنفيذية، السعي الجاد والمتواصل لتحويل هذا النص إلى واقع.
أحد أسباب تعطيل هذا النص، هو مرض “الواسطة”، الذي يستخدمه نواب مجلس الأمة والمجلس البلدي، سواء كانوا سُنة وشيعة، قبائل وحضرا، إلا ما ندر، وممثلو الشيعة في البرلمان البلدي مستفيدون من استخدام هذا المرض.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الكويت قطعت شوطا بعيدا في تقليص التمييز، فالشيعة الذين يشكو بعضهم المظلومية والتمييز ضدهم يشغلون مراكز مهمة وحساسة في الجيش والشرطة والسلك الدبلوماسي والخدمة المدنية، ومنهم وزراء ووكلاء، وقياديون في القطاع النفطي.
إن القضاء على ما تبقى من التمييز يتمثل في الاصطفاف مع القوى الجادة في مكافحته واستئصاله، لا التقرب من السلطة وبيع الولاء بمقابل على حساب أداء الواجب الوطني.
إن الحل لما نحن فيه يأتي من داخل هذه المكونات، ونقصد هنا تحديداً عقلاء الشيعة المعتدلين الحريصين على مصلحة كافة قطاعات المجتمع، على أساس المواطنة، لا تغليب الانتماء الاثني أو العرفي أو المذهبي، على مصلحة الوطن.
آخر مقالات الكاتب:
- انتخابات 2016 فرحة لم تكتمل
- أول مجلس يحلّ نفسه
- لا تزرعوا الكراهية فنتائجها وخيمة
- الانتخابات المقبلة… المقاطعة أسلم أم المشاركة؟
- الفساد وصل إلى العظم
- منع الاختلاط والحول الفكري
- الدمار والقتل في حلب مسؤولية روسيا
- المأزق الذي نواجهه من صنع السلطة
- وداع… وإنقاذ
- برنامج الحكومة الإصلاحي… لا جديد فيه ولا يحمل جدية