في العرف الدولي، قد تبدو ردة فعل أي دولة تنتهك أجواؤها أو مياهها الإقليمية مشروعة. إلا أن تحويل الحدث من حدث عسكري إلى لعبة سياسية تتجاوز الحدث نفسه لا بد أن يكون له تداعيات وارتدادات. واحتجاز الحرس الثوري الإيراني لعشرة من أعضاء المارينز الأمريكي هو من الأحداث التي لا تمحى، لأنها تجاوزت الحدث نفسه إلى صورة المارينز في الإعلام وأمام مرأى العالم. القصة غالبا بأنه رغم التأكيدات على وجود خلل تقني وراء دخول الزورقين الحربيين الأمريكيين للمياه الإقليمية الإيرانية، إلا أن الإيرانيين يميلون للاعتقاد إلى أن هذا الخلل وراءه إرادة هدفها استكشاف معالم السياسة الإيرانية ما بعد الاتفاق النووي. لذا فقد أرادت الرد بالتوجس نفسه كما لو كانت تقتل بقفاز من حرير كما بخطاب مزدوج كالعادة، ربما يعكس في حالته الانقسام الداخلي بين المرشد والرئيس روحاني، والأخير ليست له سلطة فعليا.
إذن فالرسالة هي استعراض القوة و”بروباغاندا” مفتعلة لإرسال رسائلها للجيران وعلى رأسهم السعودية ومن ثم أمريكا كما للداخل الإيراني أيضا. هذه الـ”بروباغاندا” قد تدفع إيران بسببها ثمنها باهظا على المستوى الأبعد. فصورة إهانة المارينز لطخة لا يمكن أن تنسى في تاريخ إدارة أوباما، لذا فلا بد أن الحدث جاء مثل المطرقة على الإدارة الأمريكية، ولا سيما على الجمهوريين والمرشحين منهم. وقد ذكرت وكالة أخبار فارس الرسمية أن الأمريكان يعرفون المنطقة جيدا وأن دخولهم كان مقصودا، فيما قال الأمريكان، إن نظام الملاحة كان مكسورا. حل الأمر اعتبر نصرا دبلوماسيا بحسب تعبير كيري. إلا أن الأمر لم يتوقف عند النصر الدبلوماسي، فقد نشرت إيران صورا دعائية للمارينز يركعون على ركبهم واضعين أيديهم إلى الأعلى. كما تم تصويرهم وهم يعتذرون بصحبة مؤثرات سمعية. بعض الصحف الأمريكية حاولت التهوين من القضية كـ “واشنطن بوست”، التي دعمت فيما يبدو موقف إدارة أوباما للملمة الحدث، بعكس أدوات إعلامية أخرى مثل CNN التي رأت أن ما حدث إذلال وإهانة لأقوى جيش في العالم.
ولا شك أن صورة ومعاني هذا له دلالات سياسية حساسة، إنه إحراج للإدارة الأمريكية أمام العالم وشعبها، هي التي نددت باستخدام طهران لتلك الصور لأغراض دعائية، حتى رغم إصرارها على تحسن العلاقات. ختمت أمريكا الأمر بصفقة تبادل السجناء مع إيران. وما أن أقلعت الطائرة بسجناء أمريكا الذين هم وللمفارقة إيرانيو الأصل بجنسيات أمريكية أحدهم جندي، وبعد رفع العقوبات عن إيران، أعلنت أمريكا فرض عقوبات جديدة على 11 شركة وشخصية إيرانية على علاقة ببرنامج طهران للصواريخ الباليستية، متوعدة بفرض المزيد إزاء تهديدات إيران لاستقرار المنطقة.
تبدو إدارة أوباما محرجة لأن العلاقة الجديدة تمثلها بكل تداعياتها. لذا فهي تحاول مداراة ما تقوم به إيران من حماقات وصلت إلى تسويق إعلامي منذ أيام مفاوضات الاتفاق النووي، ومنذ نشر تفاصيل النسخة الأولى من الاتفاقية. ليس هناك مبرر للاحتجاز سوى توجيه رسائل هي على الأرجح تمثل جناح المرشد الأعلى، لا سيما أنه ليس هناك أي تهديدات أو حالة حرب تبرر الحدث. ولطالما كانت هناك علاقات تعاون مهنية بين المارينز والإيرانيين في الخليج العربي. لكن خطأ إذلال المارينز الذي دغدغ مشاعر القوة مؤقتا لا بد أنه سيكلف إيران غاليا.