خروج إيران من العقوبات الدولية ودخولها سوق التصدير النفطي بكل قوتها يسكب الملح على الجرح بدول مجلس التعاون، حين تغرق في سيول زيادة إنتاجها مع عدم وجود طلب بسعر مناسب لسلعتها اليتيمة، لكن على الجانب الآخر من صفحة التشاؤم يمكن أن نتفاءل قليلاً مثلما صرح مسؤول عماني بأن رفع العقوبات سيحقق نوعاً من أجواء السلام في منطقتنا الملتهبة، فالمعتدلون بالجمهورية الإيرانية مثل رئيس الدولة روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف سيكونون في مركز أفضل أمام قوى التشدد مثل الحرس الثوري ولجان ثورية دينية عدة، بعد أن أثبتوا رجاحة سياستهم في مواجهة المتشددين، واستطاعوا إخراج الدولة من لائحة العقوبات.
ولو فتحت حوارات صريحة بين دولنا وإيران للخروج من حرب الوكالات في سورية واليمن، فسنكسب الكثير، وستسقط حجة الإنفاق الأهوج على التسليح، وسنوفر أموال التسلح الرهيبة كي تنفق في مكانها الصحيح لخدمة شعوبنا بدلاً من جيوب شلل وكلاء السلاح، وقبلنا سيكون الكاسبان الكبيران هما الشعبان السوري واليمني، فقد طالت مأساة سورية وستطول أكثر، طالما ظلت الأطراف المتصارعة مؤمنة بأنها ستحقق انتصاراً حاسماً، بينما الواقع يؤكد أن مثل تلك الحروب الأهلية لن تكون نتيجتها غير صيغة لا غالب ولا مغلوب على الطريقة اللبنانية.
وباليمن قد تقتنع إيران بجناحها المعتدل، وهو الآن في موقع الرابح تقريباً، بأن تحريض الحوثيين لا جدوى منه، وأنه لا حل إلا بتوافق كل اليمنيين بجميع طوائفهم وقبائلهم، ولابد أن تكون لنا قناعة بأن ما يجري الآن هو حرب استنزاف للسعودية بالدرجة الأولى، وبقية دول الخليج بالتبعية، رأس الحربة فيها علي عبدالله صالح، وإذا استمرت هذه الحرب إلى ما شاء الله فالمنتصر في النهاية هو الراقص على رؤوس الأفاعي، أي الرئيس المخلوع ذاته، فهو القائل بحكمة الأفاعي، وهو من كان أكثر الرؤساء العرب بقاء وفساداً على كرسي الحكم.
لا نملك أن نقرأ تعويذة تزيد معدل التنمية في الصين كي يزيد عطشها لنفط المنطقة ويرتفع السعر، ولا يمكن أن نحضر أرواح جن ألف ليلة وليلة ليغلقوا منافذ النفط الصخري في الولايات المتحدة، فلا مكان للجن في زمن العلم، فبينما كنا منتشين وغارقين كسالى في ربيع الاستهلاك والإنفاق كانوا بالغرب يعملون ويخططون ليوم يستغنون فيه عن نفطنا، ولا يظلون رهائن لإدمانهم على نفط المنطقة، فاجتهدوا وعملوا وواصلوا الليل بالنهار كي يطوروا مكامن النفط الصخري، بينما غرقنا نحن في شعبويات العنتريات الاستعراضية والمزيد من النهم الاستهلاكي، وكانت أنظمتنا تدفع بذلك، حتى ننسى غدنا ومستقبلنا وحرياتنا ونغرق في يومنا بوعي مزيف.
لننظر إلى البيت الداخلي في خليجنا، ونفتح نوافذ الحوار والإصلاح، فالإصلاح السياسي – الاقتصادي ليس ترفاً، بل واجب غير قابل للتسويف والتطويل.