كان زواج الأكاديمي المعروف احمد بشارة واستشارية القلب الشهيرة فريدة الحبيب قبل 11 عاما، حدثاً جميلاً، بالرغم من أن حالات زواج كثيرة مماثلة حدثت قبل ذلك وبعده، فقد كانت المصاهرة بين العائلتين عنواناً للمحبة والتآلف الوطني. وكانت المفارقة اختيار أحمد، غير الإرادي، الرحيل عنا، وكأنه سئم خلافاتنا الطائفية، في نفس الوقت الذي اختار فيه تسعة نواب شيعة مقاطعة جلسات مجلس الأمة، احتجاجا على الأحكام القضائية التي صدرت في قضية «خلية العبدلي».
كنت ضمن من استنكر حركة هؤلاء، وخاصة أن بينهم من يدعي الإلمام بمواد القانون وبإجراءات ودرجات التقاضي، وان الحكم الذي صدر سيتبعه استئناف وتمييز، والمشرع لم يضع درجات التقاضي تلك عبثاً، إلا لشعوره أن ما قد يكتنف حكما ما من عوار أو ظلم، يمكن تلافيه في حكم لاحق، وبالتالي كان احتجاج هؤلاء النواب متسرعاً وغير مبرر.
تصرف هؤلاء «المشرعين» وضع المواطن العادي في وضع غريب حقاً. فمن المفترض أنه هو الذي يجب أن يحتج، أو يكتب شاكيا من حكم محكمة مجحف، وليس المشرع الذي يفترض ان بيده تغيير الكثير، هذا ان تفرغ حقاً لذلك الكثير. فقد نقل عن أحد النواب المحتجين أن شيعة الكويت بلغ سخطهم ذروته، مع ما اصبح يكال لهم من تهم تخوين وعمالة للخارج، وما قابله من تساهل حكومي مع غيرهم، وغض بصرها عمن يشهر السلاح ويقاتل مع الفصائل الارهابية في سوريا والعراق! وهنا أتساءل: من الذي منع هذا النائب وزملاءه من التقدم بمشاريع قوانين تحفظ حقوق الجميع، وتمنع التفرقة، وتردع المتجاوزين؟ ولماذا لم يسائلوا الوزراء المعنيين، المتهمين باضطهاد الشيعة؟ فهل منعتهم مصالحهم الشخصية مثلا من ذلك؟ واين كانوا من حقوق الشيعة قبل صدور هذا الحكم؟
ولو اتفقنا مع هذا النائب وغيره بوجود تمييز واضح ضد فئة ما من المجتمع، ورفض الحكومة توظيفهم في مرافق معينة، فإن الحل ليس في مقاطعة جلسات البرلمان، بل في التقدم بمشاريع قوانين تجرم التمييز العنصري أو الطائفي بين ابناء الشعب، وليس بمقاطعة جلسات المجلس.
وضع الشيعة في الكويت ليس مثاليا، ولن يصبح يوما مثاليا، طالما كانت تلك خياراتهم فيمن يمثلهم تشريعيا، وطالما أن لبعض هؤلاء تطلعات وارتباطات غير مقبولة. والأمر ذاته ينسحب على اي جماعة أو قبيلة او طائفة اخرى لها امتدادات او ارتباطات خارجية، وطالما كان ممثلوهم في البرلمان من هذه النوعية.
فيا سادة، اتركوا الاحتجاج والتذمر والشكوى لنا، وتفرغوا انتم لمعالجة اسبابها. فما نحن وأنتم بأمس الحاجة اليه هو أن نكون مواطنين كويتيين قبل ان نكون شيعة او سنة أو قبليين، فإن ضاعت الكويت، وقد ضاعت مرة، وقاسينا الأمرين، فستضيع معها كرامتنا وحريتنا ووجودنا بأكمله. فهل نتعظ من تجارب غيرنا، أم نضع انتماءنا الطائفي فوق كل شيء، ونختار هدم الهيكل علينا وعلى غيرنا؟ هنا يكمن التحدي الحقيقي.