الأحكام القضائية التي صدرت في قضية خلية العبدلي، على الرغم من أنها أحكام ابتدائية قابلة للطعن والاستئناف، يجب أن توضع في حجمها الحقيقي بعيداً عن الانفعالات العاطفية أو الزج بها في أتون التشفي وتسخيرها لأغراض سياسية، والتعاطي مع القضية في بعدها القانوني لحين إغلاق الموضوع عبر درجات التقاضي النهائية.
ردود الأفعال كما كان متوقعاً في غالبها الأعم أخذت الحدية الطائفية الطاغية على المشهد السياسي العام، حيث اعتبر الكثير من الشيعة أن الأحكام قاسية، وتعكس حجم التعسف الحكومي في التعاطي مع أصل الموضوع في بداياته، وما صاحبه من زخم إعلامي مكثف، في حين اغتنم البعض من خصوم الشيعة السياسيين هذه الأحكام، إما للتشفي أو لتعميم مبدأ الخيانة وضرب الولاء الوطني لشريحة كبيرة في المجتمع الكويتي، وذلك في سيناريو متكرر وإن تغيرت أطرافه عبر محطات ومواقف سابقة، ومنها تلك الأحكام التي صدرت بحق المتهمين في تفجير مسجد الإمام الصادق (ع) في شهر رمضان الماضي.
كان رأينا في قضية خلية العبدلي منذ بداياته صريحاً ومباشراً في رفض وإدانة أي مساس بالأمن الوطني أياً كانت أطرافه ودوافعه ومبرراته، مع إيداع القضية في أروقة القضاء بدرجاته المختلفة، أما ما كنا نحذر منه ولا نزال فهو التبعات السياسية والاستغلال البغيض لمثل هذه القضايا للطعن المباشر أو الهمز واللمز لدوافع مريضة، وإن كان على حساب سمعة الناس واستقرار النسيج المجتمعي، وترويج الإشاعات والفتن المتعمدة دونما ذرة من الوازع الأخلاقي أو الشهامة والفروسية عند الخلاف والاختلاف.
من صور هذا النوع من الفتن الرخيصة استغلال البعض من النواب صلاحياتهم البرلمانية وأدواتهم الدستورية للزج بأسماء وشخصيات، ومحاولة ربطها بعناصر الخلية المشار إليها، وإن كان عبر أسلوب الهمز واللمز ثم تسريب الأسماء عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يملكوا الشجاعة المطلوبة في التصدي لما قد يزعمون من معلومات يفترض أن تكون خطيرة، وذات وقع سلبي على مشاعر الرأي العام، والتشويش على عقول الناس استغلالاً للعاطفة الجارفة.
لا أحد يستطيع ادعاء الكمال أو التباهي بالوطنية والإخلاص، فهذه الخصال تعود إلى تقييم الآخرين والمواقف الموثقة والبينة، لكن بفضل الله قد تأتيك شهادة الخير وصك المصداقية مباشرة إذا كانت جهة الاتهام رخيصة ومصابة بعقدة نفسية مريضة، وغير ذات مصداقية وغارقة في وحل العصبية المقيتة، ولله در القائل: “الحمد لله الذي جعل أعداءنا من الحمقى”!