تعاملت شعوبنا وحكوماتنا العربية، مع التفجير الإرهابي في إسطنبول، كما تتعامل دائماً مع التفجيرات في المناطق المعتادة ذلك، كالعراق، على سبيل المثال، الذي يستيقظ شعبه على انفجار، وينام على انفجار، أو كما تتعامل مع التفجيرات في أفغانستان وباكستان وغيرها من دول استان، باعتبار التفجيرات هناك من الروتين اليومي المعتاد.
وإن كانت تركيا ليست شقيقتنا من أمنا “القومية العربية”، فهي ابنة عمنا البارة السارّة، التي احتوت في حضنها أهلنا الهاربين من بطش عرّاب القومية العربية، الجالس في دمشق، فآوتهم، وواستهم، ومسحت على رؤوسهم، وبكت لبكائهم، وهرولت مسرعة لملء ثلاجة مطبخهم، وتوفير الألعاب لأطفالهم، وتعليمهم، وتوظيفهم، وحمايتهم، وأعادت إليهم آدميتهم المفقودة، وهم الذين كانوا يسمعون عنها ولم يشاهدوها.
باختصار، ما فعلته تركيا للشعوب العربية يكاد يكون أفضل مما فعلته كثير من الدول العربية لهم… فكيف كانت ردات أفعالنا بعد التفجير الإرهابي الأخير في إسطنبول؟
وهنا لن أتحدث عن تعليقات الضباع الذين ارتدوا أقنعة الإعلاميين، بعد ارتدائهم أقنعة البشر، ولن أتحدث عن شماتتهم، وفرحتهم برؤية دماء السياح وجثثهم… لن أتحدث عن هؤلاء باعتبارهم ليسوا بشراً من الأساس، وإنما ما يُخجل هو ردات فعلنا، نحن العرب، التي لا تُقارَن بردات فعلنا بعد وقوع الجرائم الإرهابية في فرنسا.
ما المطلوب منا إذاً؟ المطلوب ببساطة هو أن نُشعر الأتراك أننا نقف إلى جانبهم في مصيبتهم، ونظهر الحزن، ونتصرف على هذا الأساس، تماماً كما يفعل المعزون المحبّون، ولا نكتفي ببرقيات التعازي الجامدة، بل نفعل ما فعلناه مع فرنسا والفرنسيين، فتصطبغ مرافقنا وأبراجنا ومبانينا بألوان العلم التركي، وندعو، مع الإدارة التركية، إلى مسيرة عالمية تخترق شوارع إسطنبول، كما حدث في باريس، يجتمع فيها كبار القادة، ليعلنوا تضامن شعوبهم مع الأتراك… والأهم من كل ذلك، إعلان مساندة تركيا أمنياً واقتصادياً (عبر ضخ الاستثمارات في السياحة، لا المنح، فتركيا ليست من الدول التي تقبل المنح)، خصوصاً أن القصد من هذه الجريمة الغادرة هو ضرب الاقتصاد التركي، عبر ضرب السياحة. فإن شعر المخططون للجريمة بأن التفجير الإرهابي، بدلاً من تحطيم السياحة، جلب الاستثمارات الضخمة، ورفع أعداد السائحين، فسيحكّون حينئذ جبهتهم كثيراً قبل الإقدام على محاولة تكرار مثل هذه الخسة.
ما فعلته تركيا للشعوب العربية يكاد يكون أفضل مما فعلته كثير من الدول العربية لهم !!!
صحيح !
والدليل قصيدة “ضج الحجيج”