قبل سنة ونصف طلبت هيئة الدفاع عن فايز الكندري حضوري كشاهد في جلسة استماع في واشنطن. جلست وحدي، كما تقتضي القواعد، في غرفة بمبنى خاص من مباني البنتاغون، وبرفقتي اثنان من المسؤولين العسكريين، حيث تحدثنا أحاديث شتى، لا علاقة لها بموضوع الجلسة، في انتظار بدء جلسة الاستماع، وتضبيط أجهزة الاتصال.
استمعت إلى أسئلة مجلس المراجعة الدورية، الذي كان يوجه أسئلته صوتياً، وفي نفس الوقت كانت هناك شاشة أخرى لفايز والمحامي وهيئة الاتهام العسكرية منقولة مباشرة من غوانتنامو في كوبا، ومن ثم كانت إجاباتي مباشرة، بما في ذلك نقدي الحاد لمفهوم “معتقل غوانتنامو” الذي يضرب أسس العدالة من قواعدها.
بالطبع لم تكن تلك محاكمة، أو حتى شبه محاكمة، ولا تنطبق عليها شروط المحاكمة العادلة، ولكنها هيئة سياسية تحت وزير الدفاع الذي يملك صلاحية القرار النهائي. وفي حين لم ننجح تلك المرة في حالة فايز، نجحنا والحمد لله في حالة فوزي العودة، الذي عاد للبلاد وقرت به أعين أهله، حيث يقضي مدة مقررة في مركز التأهيل، الذي سيمر عليه فايز أيضاً.
من حق الدول إنشاء السجون، أما إنشاء غوانتنامو بهذه الصورة التي تسمح لدولة مثل أميركا بحبس الناس الذين تعتبرهم مشتبهاً فيهم كإرهابيين، دون تهمة، ودون محاكمة، ولمدة غير معلومة قد تكون للأبد، فقد كان وصمة عار في جبين السياسة الأميركية، وبدلاً من أن يقلل الإرهاب، فقد زاده، وأصبح الإرهاب في كل زاوية من زوايا الدنيا، وبالطبع لدينا في محيطنا ما هو أسوأ من ذلك، لكننا نتحدث عن دولة ديمقراطية تحترم سيادة القانون، وهكذا يفترض.
القضاء على الإرهاب لن يكون إلا بالعدالة، وسيادة القانون. وربما كان “مفهوم غوانتنامو” هو الذي دفع باتجاه فضيحة التعذيب الكبرى في معتقل أبوغريب بالعراق بعد احتلاله، وصار واضحاً، من تصريحات المسؤولين الأمريكان أنفسهم، وآخرهم وزير الدفاع الأسبق، أن أبوغريب كان أحد مبررات ظهور “داعش”.
لا يمكن القضاء على الإرهاب فعلياً إلا باحترام سيادة القانون المستند إلى العدل، وتعزيز كرامة الإنسان، حتى مع من هم مشتبه فيهم بأنهم إرهابيون.
بدأت حكاية غوانتنامو كمحطة أساسية للقضاء على الإرهاب، حتى تضاعف الإرهاب وتفرع، وتسرطن، وغوانتنامو مازال باقياً.
نبارك لفايز الكندري عودته لأهله وبلده بعد رحلة شاقة، وحبس لمدة ١٤ سنة في معتقل غوانتنامو، دون محاكمة أو توجيه تهمة، وها هو يعود ويخرج من حبس ظالم كما دخله، لا تهمة، لا محاكمة.
“غوانتنامو” ليس مجرد معتقل ومكان، بل فكرة ومفهوم ومنهج للحكم، وهنا تكمن خطورته، فقد ثبت أن ذلك النهج هو الذي يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار.