خياران متناقضان يسلكهما معظم الكويتيين في مواقفهم في الشؤون العامة للدولة، أولهما سلوك النقد اللاذع والتذمر الشديد بشأن أوضاع البلاد وما آلت إليه من انحدار على جميع المستويات، لكن نقدهم وتذمرهم تجدهما محصورين في ثلاثة أطر: الأول في الديوانيات والمنتديات واللقاءات المحدودة العدد، والتي يظن المشارك فيها أنها لن تخرج عن ذلك المجال.
والثاني في الحوارات البينية الثنائية أو المتعددة الأطراف من الأصدقاء أو المسؤولين، والتي يعبر فيها الجميع بتلقائية وعفوية كاملة عن سخطهم من تردي الأوضاع وتلاشي فرص تدارك ذلك لانتشال البلد. والثالث في لقاءات النقاش الجانبي على هامش اجتماعات المسؤولين، سواء على مستوى أعضاء مجلس الأمة أو على مستوى الوزراء أو على مستوى المسؤولين من القياديين في الدولة، حيث يتجاذب أطراف النقاش حواراً يعبر عن علمهم وإدراكهم واطلاعهم على أسباب وأحوال تردي البلد، أو تغلغل الفساد، وتذمرهم من ذلك، وتعبيرهم عن عدم رضاهم عن ذلك، ثم يعود كل منهم للتعايش مع الواقع.
أما السلوك الثاني، والمناقض للأول، فهو هيمنة بواعث الخوف والتردد في إيصال حقيقة هذه الأوضاع والتحدث بها مع المعنيين من أصحاب القرار. ففي الديوانية، على سبيل المثال، تظن أن الناقدين والمتذمرين، ستكون لهم صولة وجولة في إيصال صوتهم ورأيهم، ويذهلك أن تشهد مواقفهم عكسية عند التقائهم المسؤولين، فيتحول النقد مديحاً، والتذمر صمتاً أو تأييداً، وعند محاولة فهم سر ذلك يأتيك الجواب سريعاً «ليش أصير أنا بالوجه، وأطلع مو خوش ولد». إذاً هو خوف على المصلحة الخاصة، أو هو خوف لتحقيق مكسب أو الظفر بغنيمة، أو خوف من التصنيف في عداد الناقدين، أو خوف على النفس من مجهول غير مفهوم ولا مبرر.. المهم أن بواعث الخوف هي المسيطرة.
وأما على مستوى المسؤولين والقياديين، فإن معظهم يعيش هواجس الخوف المتحكم، الذي يمنعه، بل ويلجمه أن يقول لمن هو أعلى منه إن هذا القرار خاطئ وهذا التوجه غير سديد، أو إني أختلف معك في الرأي، أو أتحفظ على سياساتك، أو سأبدي معارضة بمقترحاتك.. وغيرها. وهو ما يورث تراكمات من الأخطاء، ودوامة من المشكلات، وتركة من الفشل، الذي لا يغير فيه ولا يتداركه ذلك النقد اللاذع والتذمر الشديد خلف الأبواب المغلقة والمجالس المحفوفة، كمن يهمس لنفسه تذمراًَ وهو مستسلم لمن يتمادى في إلحاق الأذى به بل ويدمره.
أيها السادة الأفاضل، إن بواعث الخوف لا يمكن أن تصلح الأحوال، فكيف يمكن لها أن تبني دولة؟! فهلا خرجنا من أُطر الهمس لدوائر الضوء.