المتلونون في الدين هم أولئك الذين لا يعرف لهم موقف ثابت في القضايا والأحداث، بل تتغير مواقفهم بحسب تغير مصالحهم، وبهذا المعنى عرف ابن منظور- رحمه الله- المتلون، فقال في (لسان العرب): «وفلان متلون إذا كان لا يثبت على خلق واحد».
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك الرديء، والخلق الوضيع في أحاديث كثيرة، وبين أن أصحاب هذه الخصلة القبيحة هم شر الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: «وتجدون شر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، ويأتي هؤلاء بوجه» رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: «من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار» رواه أبوداود، وجاء في نصيحة حذيفة رضي الله عنه لبعض جلسائه: «فاعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر، وأن تنكر ما كنت تعرف، وإياك والتلون في دين الله تعالى، فإن دين الله واحد».
قلت: ما أكثر من يحتاج لسماع هذه النصيحة اليوم والعمل بها، فقد كثر المتلونون هداهم الله، وتقلبت مواقفهم حسب المصالح السياسية تارة، والشخصية تارة، والحزبية تارة، مع ما يطبعونه في نفوس الناس من انطباعات سيئة تجاه الدين وأهله، وقد قال الشيخ الجليل ابن عثيمين- رحمه الله- في وصف هؤلاء: « وهذا يوجد في كثير من الناس والعياذ بالله، وهو شعبة من النفاق، تجده يأتي إليك يتملق ويثني عليك وربما يغلو في ذلك الثناء، ولكنه إذا كان من ورائك عقرك وذمك وشتمك، وذكر فيك ما ليس فيك، فهذا والعياذ بالله كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «تجد شر الناس ذا الوجهين، يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه».
وهذا التلون كان خلقا يكرهه الصالحون، قال النخعي رحمه الله: «كانوا يكرهون التلون في الدين».
حين نستذكر هذا الخلق فإنه لا بد أن تقفز إلى أذهاننا الأزمات التي حلت بالأمة قريبا، ومنها الأزمة التي مرت بها بلادنا وسلمها الله منها، ففي تلك الأزمة وما تبعها من أحداث وتقلبات في المواقف، انكشف كثير من هؤلاء المتلونين، فبعد أن كانوا يؤيدون المظاهرات والثورات في أوج قوتها، ويكتبون البحوث التي تسوغ لها تسويغا شرعيا، إذا بهم اليوم يحاولون التملص من مواقفهم تلك، بل أصبح بعضهم محاربا للحراك والمظاهرات التي كان يؤيدها، بل منهم من قدم نفسه للحكومة على أنه المنقذ للموقف، وأنه الشخص القادر على تهدئة الأوضاع من خلال تشكيل الفرق الإعلامية وغيرها!
ومنهم من كان يدعو لمقاطعة الانتخابات ويخون المشاركين فيها والداعين للمشاركة، لكنه اليوم يغرد مثنيا على المجلس الذي طالب بتغيير آلية التصويت في انتخابه، ويثني على رئيسه، والله اعلم بنيته ومقصوده، ومنهم من كان يقرر تكفير من حكم بالدستور، لكنه بعد ذلك وقف ليشارك مشاركة تحت شعار «إلا الدستور».
ومنهم من كان يصف أحد المسؤولين بأنه: لا خلاق له، ثم أصبح يتزلف له ويتودد تودد الخادم لمخدومه.
لنكن صرحاء فنقول: إن كثيرا من تصرفات الجماعات الإسلامية والمنتسبين للدعوة – هدانا الله وإياهم- قد أعطت أسوء الانطباعات عن التدين والمتدينين، ولكن! يجب أن يعلم الجميع أن الإسلام بريء من هذا التلون، كما أنه يجب أن نعلم أن هناك فرقا بين الإسلام والمسلمين، فالإسلام كتشريع رباني بريء من مخالفات المسلمين له، فإذا كان كثير من المسلمين يتلذذون بالكذب والظلم والغيبة والنميمة وقتل الأبرياء فلا يعني هذا أن الإسلام يقرّ هذه الأفعال النكراء، والتي كان من شأنها تشويه صورة الإسلام المشرقة في العالمين الإسلامي وغير الإسلامي، والله المستعان.