في ظل حالة الاحتقان التي تعيشها المنطقة، أصبح الفرز الحاد والاصفاف المباشر والتخندق هو الوضع الطبيعي عند أي حدث جديد، وعلى إثر ذلك يتم تبادل الاتهامات، والطعن في الولاء والتشكيك بالمواقف، وخلط الأوراق، وفتح الملفات، واستدعاء الأمراض الطائفية والاجتماعية، خصوصا مع تعدد وسائل التعبير عن الرأي، والتسابق لتسجيل المواقف عبر الفضاء المفتوح.
ولعل أبرز ما شغل الساحة في الفترة الماضية هو توتر العلاقات السعودية – الإيرانية، على خلفية إعدام رجل الدين السعودي نمر النمر، وما أعقبه من حرق السفارة السعودية في إيران، حيث وصل التوتر إلى حد قطع العلاقات، وصار بعض الناس يترقبون سماع طبول الحرب.
ما بين متشوق لسماع تلك الطبول، ومتخوف ومترقب ومُحذّر، اختلطت الأوراق، واضطربت زوايا النظر، ولم يعد التفريق واضحا بين قضية إعدام النمر.. وهل يمكن اعتبارها قضية حقوق إنسان، أم أنها شأن داخلي للمملكة العربية السعودية، وبين حرق السفارة السعودية في إيران، وما يمثله هذا السلوك من تعدٍ صارخ على سيادة دولة خليجية يستوجب اتخاذ مواقف حازمة وموحدة من دول الخليج مجتمعة، إن كانت فعلا تسعى لأن تكون رقما صعبا في عالم لم يعد فيه مكان إلا للكيانات المتماسكة، والتحالفات الصلبة.. ففي ظل عدم التفريق في مستويات النقاش بين قضية إعدام النمر وبين حرق السفارة السعودية زلّت الأنظار، واختلطت الأوراق في أجواء كل ما فيها يدعو إلى الاصطفاف والتربص بالآخر وتسجيل النقاط عليه!
من المؤسف أن يكشف مثل هذا الحدث – الذي تتوافر فيه عناصر التوحد – عن عدم تماسك البيت الخليجي، حيث لم تستطع دول الخليج أن تجتمع على إجراء وموقف موحد يعزز من ثقلها الدولي ككيان واحد، مع تنامي حالة من الشعور بتراجع هذا الثقل نتيجة هبوط أسعار النفط، إضافة إلى الحضور الإيراني القوي في كل من اليمن ولبنان والعراق وسوريا، والاتفاق الإيراني الأميركي، الذي قد يتيح لإيران ممارسة دور أكبر بعد الفراغ الذي تركته أميركا في المنطقة، كل ذلك يوجب على دول الخليج البحث عن نقاط قوة أخرى -غير النفط- ممكن أن تعزز من حضورها الإقليمي والدولي، أو على الأقل تحسّن من وضعها التفاوضي!
ربما يكون الثابت الوحيد في كل ما تمر به المنطقة هو استغلال بعض الحكومات تلك الأزمات لتأجيل استحقاق الإصلاح السياسي، وتوسيع المشاركة الشعبية، وتقليص المكتسبات، وربما المزيد من تقييد الحريات، في سلوك أشبه ما يكون بالهروب إلى الأمام، بدلا من الالتفات إلى تلك الملفات وحلها، باعتبارها الأرض الصلبة التي يمكن الوقوف عليها في مواجهة الاضطرابات التي تحيط بنا.. وتوشك أن تصيبنا!