إن استمر الحال على ما هو عليه فالمنطقة مقبلة على كوارث محتملة، وأزمة إنسانية تتجاوز مآسي الحرب العالمية الثانية، وأسعار النفط في انخفاض، وحالة الحروب المفتوحة بالوكالة أو شبه الوكالة مستعرة على عدة جبهات من اليمن إلى سورية إلى العراق وبعيداً إلى ليبيا، والتوتر يكتنف جبهات أخرى لا حصر لها.
نعم الأجواء غير مواتية للتقارب، والحالة محتقنة حتى الحلقوم، والدماء تسيل بحساب وبغير حساب، ولكن كل الأطراف منهكة.
هذه ليست المرة الأولى التي تُقطَع فيها العلاقات بين السعودية وإيران، حيث قُطِعت مرتين سابقتين في عامي 1941 و1987، لكنها هذه المرة تبدو أكثر اشتعالاً، لأنها في جبهات متعددة، بعضها حرب باردة وأخرى حرب ساخنة، والبعد الطائفي صار جزءاً منها مما زادها استعاراً، ونقلها من صراع رسمي إلى حالة شعبية، لا علاقة لها بالمنطق ولا حتى بالمصالح المباشرة.
كتبت مع بدء حرب اليمن، أي قبل تسعة أشهر تقريباً، والتي كان خوضها قراراً صعباً على السعودية، أنها ورقة متقدمة في النزاع الإقليمي مع إيران، لأنها تزامنت مع إبرام الاتفاق النووي، وهو أيضاً ورقة متقدمة في النزاع الإقليمي بالنسبة لإيران، وأن ذلك التزامن قد يكون مؤشراً لانفراج قريب، ومازلت عند هذا الرأي، حتى مع تصاعد الأزمة بين البلدين لدرجة قطع العلاقات، فعندما تصل الأوراق المستخدمة إلى نهاياتها، وتعاني الأطراف من الإنهاك، أي أن أطراف النزاع يستخدمون آخر ما لديهم من أوراق فذلك يوحي باقتراب الحل، ومن ثم يكون التفاوض على أساس “معادلة صفرية”، وربما يكون ذلك بداية تفكيك الأزمة بالملف السوري.
إلا أن الشحن الطائفي صار جزءاً من معادلة الصراع، وهو الأمر الذي سيبقى معنا لزمن حتى وإن توصل المتنازعون إلى تسوية. في مثل هذه الظروف المحتقنة، وبعد استخدام السلاح في كل مواقع النزاع، لم يعد هناك إمكانية لحلول جزئية، يعني هدنة هنا أو هدنة هناك، فلا يمكن للحروب أن تستمر إلى أبد الآبدين، وصار واضحاً أنه لن يخرج من هذه النزاعات منتصر أو مهزوم. وحيث إن هذا هو الحال فقد آن أوان التفاوض والتوصل إلى حل شامل لكل مواقع النزاع، لعل المنطقة تشهد يوماً واحداً بلا رصاص طائش.
التفاهم الإيراني السعودي المدعوم خليجياً هو المدخل للاستقرار، من دون أميركا وروسيا، فهما عناصر اشتعال لا تهدئة، وفي ظني، على الرغم من مساندة الكويت للسعودية وهي مساندة مستحقة، فإنها هي المرشح الأنسب للعب دور في التهدئة. أما عدا ذلك فيبدو أننا لن نهنأ بلحظة هدوء على المدى المنظور، وستُسكَب على طريق ذلك دماء كثيرة، أغلبها من الأبرياء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.