الدول التي يطلق عليها، عادة، الدول الإسلامية أو العربية، جميع هذه الدول أدانت وفقاً لها جريمة «شارلي هبدو». وجميع هذه الدول ووفقاً لها، أيضاً، أدانت «شارلي هبدو» نفسها. هذا يعني أن هذه الدول تمارس «الهرطقة» أو النفاق. فهي تدين الجريمة التي ارتكبت بحق محرري المجلة الفرنسية، لكنها تدين وبنفس الشدة والحماسة محرري الجريدة الذين استفزوا – كما تعلن هذه الدول – «ضحاياهم» من المسلمين الأبرياء. أي أن المجرم الحقيقي، في نظر هذه الدول ومواطنيها بالطبع، هم محررو المجلة الفرنسية، فهم من بدأ العداء، وهم من استثار البسطاء الأبرياء من منفذي العملية الإجرامية، أو الانتقامية، حسب ما تطرح هذه الدول وبقية تابعيها. أي وبالعربي الفصيح، واحدة بواحدة «والبادي أظلم».
هذا تأييد علني وواضح للإرهاب، بل دعم وتأييد غير محدود له. لن يخفف منه ذرف دموع التماسيح على ضحايا «شارلي هبدو»، ولا حتى الانضمام إلى «مسيرة باريس» تأييداً لهم. هذه الدول شاءت أم أبت تشجع مواطنيها وإرهابييها على مواصلة إرهابهم، وعلى التدخل السافر والتحكم غير المحدود بعقلية وحرية بقية خلق الله، أي أن هذه الأنظمة التي تمارس القهر ضد شعوبها تشجع هؤلاء على ممارسة القهر ذاته ضد الشعوب الأخرى، كمتنفس عن القهر والظلم الذي يتعرضون له.
متخلفو وإرهابيو الدول العربية والإسلامية، من في السلطة، أو ممن يتعرضون للقهر والقمع من قبلها، أزعجونا ومللونا بمقولة «الحرية مسؤولية»، أو أن «حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين». لكن طبعاً المسؤولية هي لتقييد الآخرين، بينما الحرية هي لإطلاق يد المسلمين يفعلون ويقولون ما يشاؤون، فهم مسلمون. الفرنسي ليس له حق ممارسة حريته في ما يسيء إلى المسلمين وعقائدهم. لكن المسلمين، وبكل حرية وفخر، يحق لهم فرض رأيهم وإملاء إرادتهم على الفرنسيين، أو بشكل أدق، فرض القمع والقهر عليهم، وحرمانهم مثل بقية «عباد الله» من حق التعبير!
ملخص هذا، لمن يملك عقلية عربية وإسلامية قحة، محصنة ضد النقد والبحث والشك.. للمسلم حق التدخل في تفكير وعقائد ومبادئ الآخرين.. لكن الآخرين عليهم أن يلتزموا الحدود.. أو كما قال سائقنا: أولوية المرور في الدوار للكويتي، من أي اتجاه أتى.