سعيد محمد سعيد

تقسيمة الأبارتيد: موالون وخونة (2)

 

أخطر ما في تقسيمة الأبارتيد الطائفية العنصرية السياسية، هي التهيئة غير المباشرة لأخطر نتائجها… النزاع الطائفي! وهذا لن يكون كما سيأتي لاحقاً، وخصوصاً أن سبل حل الأزمة بين السلطة والمعارضة ممكنة، فكثيراً ما سمعنا عن عبارة صيغت هكذا: «حوار ذي مغزى»! يلزم أن تترجم على أرض الواقع، بيد أن هناك مبادرة ولدت يوم الخميس (24 مارس/ آذار 2011) لتجمع ظهر واختفى باسم (صوت التكنوقراط)، استشعر الشرخ في النسيج الاجتماعي والاصطفاف الطائفي المقيت الأمر الذي بات معه يهدد كيان وبنية البلاد ويؤثر على حياة أفراده ومستقبلهم، داعياً إلى إدراك المسئولية الوطنية وخطورة الانسياق وراء الاصطفاف الطائفي والامتناع عن كل ما من شأنه الإساءة إلى الطائفة الأخرى، وفي الوقت ذاته حذر من الربط بين المشاكل السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد، وبين العلاقات الاجتماعية التي تربط طائفتي المجتمع… ونعيد السؤال: إذا كانت التقسيمة سيئة الذكر مهيئة لصدام أو نزاع طائفي؟ فهل ذلك الخطر وارد؟

حسناً، ما الذي يمنع قيام صراع أو نزاع أو صدام طائفي لطالما هناك مواطنون (موالون) فقط، وهناك (خونة) فقط؟! ما الذي يمنع بناءً على تلك التقسيمة التعيسة التي لاتعترف بمواطن سني وآخر شيعي، ومواطن معارض وآخر موالٍ؟ من الطبيعي أن تكون المسئولية بالدرجة الأولى هي مسئولية الدولة في إجهاض تلك التقسيمة بدلاً من إذكائها وتشجيعها، على ألا يلقى اللوم على منظمات المجتمع المدني (بالتقصير) دون اعتراف بوجودها طالما هي في الأساس… خائنة! ولا شك في أن الدولة والمعارضة والموالاة وعموم الشعب يدركون بأننا سائرون في نفق مظلم مهما كانت حدة المعالجات الأمنية وقسوتها، ومهما ابتعدت ملامح الحل السياسي.

لكن، كيف نجزم بأن الصدام الطائفي غير وارد؟ وهل خطورة هذه التقسيمة مقتصرة على البحرين أم على دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، باعتبار أن ما يحدث في البحرين له تأثيره البالغ على المنطقة؟ هنا، يمكن الاستعانة بما طرحه الباحث السعودي عبدالله إبراهيم العسكري من جامعة الملك سعود بالرياض في ورقة عمل بعنوان: «الطائفية في الخليج لم تعرف ولن تعرف الحرب الطائفية – القطيف – 2008»، فهو يرى أنه عند تحليل الظاهرة الطائفية، يمكن القول إننا أمام ظاهرة ذات أبعاد سياسية واقتصادية وربما اجتماعية، وهي ظواهر يمكن التعامل معها لو بدت للعيان كما هي، لكن المؤلم أنها ظواهر اقتيدت إلى الماضي، ومع هذا الاقتياد برزت إلى السطح سمات اللامكانية، وسمات المذهبية الدينية، وسمات إشكالية المواجهة… لم تعد الطائفية كما كانت عبر حقب مضت، بل أضحت ذات سمات جيوسياسية واضحة، وإن كانت تختبئ وراء عباءة الدين أو المذهب، وهذا كفيل بأن يبيّن لسكان الخليج الدرب الصحيح وهو عدم الانسياق إلى مالانهاية مع الطائفية، وعلى كل حال، كان هذا الدرب هو ما اختطه سكان الخليج لأنفسهم بصرف النظر عن طوائفهم المتعددة.

وهنا لابد من طرح هذا السؤال وهو: هل الطائفية خيار سياسي يمكن لأبناء الخليج السير في دربه؟ والجواب بالنفي! والسبب أن الخيارات السياسية تنطوي على فلسفة وبرامج سياسية يمكن تبنيها على السطح، بينما الطائفية لا تملك فلسفة، وهي ليست صالحة لأن تصبح برنامجاً سياسياً يمكن لأحدهم تبينه والتصريح به… والحق أن الطائفية هي نزوع مُضخم للأنانية تجاه الآخر، وهذا هو بيت القصيد! وقد يكون الآخر شريك صاحب الطائفية في اللغة والأرض والتاريخ والدين، وقد يكون الآخر من خارج تلك الدوائر، وعلى هذا يمكن القول إن الطائفية ليست خياراً سياسياً، بل هي ظاهرة اجتماعية مثل أية ظاهرة اجتماعية تسود في حقبة زمنية، لأسباب معروفة، ثم تخبو. وفي منطقة الخليج، لم تجد الطائفية طريقها لتصبح أكثر من ظاهرة اجتماعية، حتى لو لم يصرح أبناء الطوائف بذلك، فلسان الحال أبلغ من لسان المقال.

في كيفية التوصل إلى إلغاء الطائفية الدينية أو تخفيفها أو تعديلها، يرى الباحث العسكر أن ذلك يتم عن طريق إرساء قواعد صلبة للثقافة للمدنية، وهذه كلمة عامة وحمّالة أوجه، ولكن الأخذ بلبرالية متزنة، لا تتنكر للدين أو المذهب، ولكن لا تجعل الدين والمذهب هما قطب الرحى للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولابد أن نبيّن للأجيال الحاضرة أن الطائفية ليست من الدين، وهي ليست من العلم وبالتالي هي ليست ضرورية للحياة.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *