كثيرة هي الأخطاء المقترفة في الكويت طوال سنوات الثروة التي تتجاوز الستين عاما، وأعتقد أنه حتى إن خضنا في كل مجال وكم الأخطاء المرتكبة فيه طوال تلك السنوات فلن يكفي مقال أو مقالان لتغطية مجال واحد. فلم تتطور الدولة لا سياسيا ولا عمرانيا ولا صحيا ولا تعليميا ولا ثقافيا ولا رياضيا ولا صناعيا ولا إعلاميا ولا سياحيا، لم تتطور سوى أساليب الفساد في كل مجال، فإن كان هناك تقدم ملحوظ في الكويت فسيكون الفساد بلا شك هو المجال الذي يشار إليه بالبنان. فكل شيء في هذا البلد مؤقت، بل حتى إن كان هنالك بعض الأشياء التي صاحبها بُعد نظر حين تأسيسها أو إنشائها فإن الدولة ساهمت إما في تشويهها أو محوها على الإطلاق، ولنا في منطقة الصباح الصحية مثال جيد، فتأسيس تلك المنطقة كان عبارة عن نواة جيدة وواعدة لمدينة صحية متكاملة، فما كان من الدولة إلا أن تكدّس مختلف الأنشطة في تلك المنطقة ما بين مؤسسات تعليمية وشركات تجارية ومؤسسات عسكرية وكراجات سيارات؛ لتغدو تلك النواة الواعدة مكاناً لا يسر الناظرين أبداً، وكذلك هي الحال مع المدينة الترفيهية التي كانت أرضا خصبة لمدينة ملاهٍ عالمية من حيث المساحة وقربها من الساحل، والبعد الجغرافي عن المناطق المعمورة لتتحول اليوم إلى مدينة يستطيع طفل الثمانينيات من القرن الماضي أن يسترجع فيها ذكرياته دون أن يختلف عليه شيء. عموماً لا أريد البكاء على اللبن المسكوب بقدر ما أود أن أرتشف مما تبقى من الكوب، فطالما أن الثروة ما زالت موجودة فبالإمكان البحث عن سبل العلاج أو الإنقاذ وهو ما أطرحه من خلال هذا المقال. ماذا لو اجتمع المختصون من كل مجال سواء من داخل الكويت أو خارجها ليحددوا جميع الأخطاء التي ارتكبناها طوال العقود الماضية، بحيث يتم التعرف بالمقام الأول على سلبياتنا في كل مجال بشكل علمي واضح وبعيد عن الأهواء والمزاجية والشخصانية، على أن تحدد مدة زمنية لتلك الفرق المختصة لتقديم تقريرها دون تحديد مسؤول بعينه، بل الخطأ فحسب؟ بعد أن ننتهي من تلك التقارير المشخصة للأخطاء والمشكلات تبدأ أهم مرحلة، ولا أتحدث هنا عن علاج تلك المشكلات فيما هو قائم. نحن نشغل ١٠٪ من مساحة الدولة فقط، بمعنى أنه بالإمكان بناء تسع دول إضافية بالمساحة المتبقية، وليس هذا ما أنشده طبعا، بل كل الطموح بأن يتم تخصيص ٥٪ من صحراء الكويت، ولنسمها "الكوت" مثلا لتكون بمثابة كويت حديثة قائمة بذاتها بنظامها العملي المختلف طبعاً عن النظام القائم، ونتجاوز فيها كل الأخطاء السابقة، على أن تشيّد بعيداً عن هفواتنا السابقة ورعونة التصرف المعتادة، وبذلك نكون قد استثمرنا أخطاءنا بأفضل شكل ممكن، واستفدنا منها بالطريقة القصوى. بذلك نكون هيأنا الفرصة للنهوض مجدداً طالما العناصر جميعها متوافرة، وعلى رأسها العنصر المادي، بدل بعثرته في منح للخارج وزيادات في الداخل، في تلك الحالة من الممكن أن يتجدد الأمل وألا تكون الكويت قصة تاريخية عن بلد غني لم يستفد من دنانيره. علما أن الـ٥٪ تلك ستعني القدرة على احتضان ما يقارب العدد الحالي من مواطنين ومقيمين، وهذا يعني حلحلة لكثير من المشاكل كالإسكان والتوظيف وعدم تحمل البنى التحتية… هي مجرد فكرة أعتقد أنها قابلة للتطبيق.