أحتاج أحياناً أن أكتب بعيداً عن الشأن السياسي أو الأحداث المحلية، وقد تتسنى لي هذه الفرصة بين الحين والآخر عبر "الجريدة" في عطل نهاية الأسبوع، حيث أعتبر هذه الكتابات بمثابة الاستراحة أو الفسحة للكتابة عن بعض ما أهتم به بعيدا عن الشأن السياسي كالموسيقى والرياضة وغيرها من مواضيع بعيدة عما أكتبه في العادة كل أربعاء. ولا أجد أفضل من الكتابة في هذه الاستراحة إلا عن موسيقي مبدع يبهرني دائما بأعماله، ولولا ظلم وسائل الإعلام في زمننا الحالي للشعراء والملحنين والموزعين واكتفائهم بمن يغني فقط لكان لهذا الاسم نصيب أكبر بكثير مما يملكه الآن من البروز والمكانة الموسيقية، ففي السابق كانت الأغنية تعرف من ملحنها وشاعرها، فتوصف قارئة الفنجان بأنها رائعة الموجي، وأطلال السنباطي، وفي يوم وليلة لعبدالوهاب، وبذلك كان عظماء الموسيقى هؤلاء يحظون بما يستحقونه من مكانة، إلا أن هذا الأمر تلاشى للأسف، وبتنا لا نعرف سوى المغني في كثير من الأحيان دون استيعاب من يصنع الأغنية فعلا، ويقدم لنا الموسيقى التي تشكل جزءا من ذكرياتنا وأحلامنا ومشاعرنا. أكتب اليوم عن مشعل العروج الذي أعرف أن كثيراً من القراء يعلمون أنه موسيقي كويتي دون معرفة تفاصيل أكثر، وأعرف أيضا أن ما قدمه هذا المبدع للأغنية الكويتية تحديدا والخليجية بشكل عام في العقدين الماضيين لا يقل أهمية أبدا عما قدمه عظماء موسيقيي مصر في عصر العمالقة. فقد ساهم مشعل بصنع تاريخ أو جزء من تاريخ من عمل معهم، حتى إن كانوا يفوقونه بالتاريخ الفني والخبرة والشهرة، فقدم مع نبيل شعيل روائع، بات شعيل يذكر من خلالها "راحت وقالت، فتان، منهو إنت، ما أروعك"، وقدم كذلك مع طلال سلامة أشهر أغانيه على الإطلاق "شمعة الحب، عاتبيني"، كما أعاد العروج تقديم صوتنا الجريح عبدالكريم عبدالقادر للجيل الجديد من خلال "كلمة لأ، ارجع يا كل الحب، ودعتها، الحب لك وحدك"، وسطّر مع راشد الماجد وعبدالمجيد عبدالله ألحانا خالدة في ذاكرة محبيهم "إنت العزيز، الأولاني، كفكف ويلي، العزيزة، ضيعوني" كما رافق شريكة حياته الفنانة نوال في مسيرتها منذ منتصف التسعينيات إلى اليوم بأعمال تعتبر هي بصمة نوال طوال تلك الفترة "تعب قلبي، تكفون خلوه، الشوق جابك، خمس جروح، أعرف رجلا، في البداية، حالة حنان"، وقدم مع عبدالله رويشد موسيقى لا يصنعها إلا مشعل ولا يقدمها إلا الرويشد "اللي نساك، ما يهم، طمني، يا جارة، تعتذر، تحرمني، لا ياحبيبي، أمشي، اسمك، وأخيرا أنا الملك". كما صنع أغاني وطنية خالدة بعد أن مرت بفترة ضمور بعد تحرير الكويت فقدم "طاير من الفرحة لراشد، والأغنية الأكثر شهرة طوال السنوات العشر الماضية، وطني حبيبي، ومن عمر لكبار فناني الكويت، والأغنية السياسية شبه المنفردة بتاريخ الكويت ملينا سياسة". ما ذكرته هو جزء فقط من أعماله التي أتذكرها وأعلم جيدا أن هناك العشرات غيرها، ولكن أن يقوم موسيقي بتقديم ربع ما ذكرته فإن ذلك سيكفيه بلا شك لتسطير اسمه بين عظماء الموسيقى في المنطقة. مشعل العروج هو ذلك الموسيقي المتفرد الذي لا يغرق في نمطية الأعمال، ولا يستهلك نجاحه في تكرار نفس الروح، فنجده يغامر بالمختلف رغم ضمان نجاح التكرار، إلا أنه يفضل المختلف الجديد الجميل ليفاجئنا كل مرة بموسيقاه بعيدا عن البحث عن الألقاب دون مضمون يذكر. لقد طبع مشعل بصمة لن تمحى في تاريخ الموسيقى الكويتية والخليجية، وهو بكل تأكيد جدير بأن يمنح لقب موسيقار لما قدمه وما زال يقدمه، فشكرا لمشعل العروج على ما صنع وزين ذاكرتنا بموسيقى جميلة رافقتنا في لحظات الفرح والشوق والحزن.