عندما كانت التجمعات المعارضة منتشرة في الكويت قبل عامين، وأنا هنا أركز على التجمعات غير المجرّمة قانوناً وغير المتطلبة لإخطار مسبق بحسب القانون، كنا نرى ونسمع، مع كل تجمع، عن اقتياد شخص أو أكثر إلى المخفر، على خلفية تلك التجمعات التي أكرر أنها غير مخالفة للقانون، فإما أن يقضي هذا الشخص، أو هؤلاء، ليلته، وأحياناً عدة أيام في الحبس، أو أن يُفرَج عنه في نفس اليوم، ولكن اقتيادهم، في النهاية، إلى مراكز الشرطة بتهمة أو من غير تهمة كان السمة الغالبة، ولا يخلو أي تجمع قانوني منها.
طبعاً تلك السلوكيات من قبل "الداخلية"، وخصوصاً تجاه من لم يخالف القانون، كانت تستخدم كأداة تخويف وإزعاج للمتجمعين المعترضين على أوضاع معينة، على أمل أن تقل أنشطتهم وتحركاتهم، ولكن ذلك لم يحدث، وما جعل تلك التحركات تخبو أسباب أخرى لا علاقة للداخلية بها، لا من قريب ولا من بعيد.
عموماً، فأنا لا أعيد الكتابة عن هذا الموضوع إلا لهدف واحد، وهو سبب عدم إيمان الكثيرين بالعدالة على الأقل لدى أول أدوات تطبيق العدالة وردع المتجاوزين وقناعتهم المطلقة بـ "مَيَلانها"، وأقصد بأول الأدوات وزارة الداخلية نفسها.
فقد انتشرت يوم الأحد الماضي مقاطع مصورة للواء عبدالفتاح العلي ومجموعة من صغار أبناء أسرة الصباح حيث كان العلي يؤدي دوره الوظيفي في تنفيذ قرار إداري صادر من حكومة دولة الكويت، ليحاول بعض صغار الأسرة، ومن معهم، ثنيَه عن تأدية مهامه، بل وتهديده أمام الكاميرات بمفردة عامية "العن خيرك"، وتعني العقاب الشديد، ليصرخ بعدها مخلوق كان مع صغار الأسرة ويقول للواء عبدالفتاح إنه "ما يقدر عالمشيخة"، لتنتهي حكاية ذلك الأحد بأن ينفذ اللواء عبدالفتاح ما جاء لأجله وينصرف الصغار ومن معهم من مخلوقات إلى منازلهم، مع اكتفاء "الداخلية" في اليوم التالي بتحريك قضايا ضد أحد صغار أبناء الأسرة!
لنقارن الآن ما ذكرته في أول المقال مع ما حدث يوم الأحد الماضي لنستوعب الأمر جيداً، فقد كان الشباب يقادون إلى المخافر، بل ويمضون ليلة أو أكثر من دون أي تهمة أو عمل مجرّم قانوناً، في حين أن تهديد وإهانة لواء ووكيل مساعد في وزارة الداخلية أمام الكاميرات يمر مرور الكرام ولا مبرر لهذا المرور إلا لكون من هددوا هم من أبناء الأسرة، وإن كانوا صغاراً، هنا العلة والمعضلة ومربط الفرس، فكيف يثق الناس بما ورد في دستورهم بأنهم سواسية لا تمييز بينهم، وأن العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع ما دام خط الدفاع الأول، والمعني بردع المتجاوزين، يتعامل وفق ميزان أعوج يميز فيه بين الناس ولا يراعي دعامات المجتمع.
لعل الشواهد كثيرة في "ميَلان" الميزان على الأقل لدى "الداخلية"، وما حدث الأحد ليس سوى شاهد على ذلك، وبإمكان أي فرد يقرأ هذا المقال من غير أبناء الأسرة أن يتوجه اليوم إلى أي عسكري في "الداخلية"، حتى وإن كان من الرتب المتدنية جداً، ويخاطبه بأسلوب جاف، فيقول له مثلاً "اسكت" أو "مو شغلك"، وستكون النتيجة شبه الحتمية اقتياده إلى مخفر الشرطة على الفور، وهو ما لم يحدث مع صغار الأسرة يوم الأحد.
هذا هو ما يستفز الناس ويجعلهم لا يؤمنون بأن الدولة تسعى إلى تطبيق القانون، وهو ما سيتفجر بكل تأكيد، عاجلاً أم آجلاً، وتكون نتائجه وخيمة على الكويت بلا أدنى شك.
ملاحظة: كررت في المقال مفردة صغار أبناء الأسرة، وأعني في ذلك أنهم صغار في السن لا أكثر.