كتبت قبل أسابيع عن ضرورة اهتمام الحكومة تحديداً بجودة الأعمال المقدمة من قطاعاتها بدلاً من المسميات الوظيفية أو جهات العمل، على أن تراعي الحكومة في سلم رواتبها والامتيازات المالية لموظفيها عامل الجودة بالمقام الأول، وقد أشرت في ذلك المقال إلى كفاءة ما تقدمه المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تحديداً وجودته، بل إن كتابة ذلك المقال أصلاً كان سببها الإضراب الذي تداعى له موظفو التأمينات الاجتماعية.
ما أعرفه أن وسيلة كالإضراب تستخدم للضغط على أحد طرفي العلاقة للوصول إلى حلول في اتجاه معين، وقد ارتكزت مطالب المضربين في مؤسسة التأمينات على إعادة النظر في سلم الرواتب بالإضافة إلى بعض المسائل الإدارية المتعلقة بالمسميات الوظيفية وغيرها، وهي مطالب أعتقد أنها مستحقة، خصوصاً في جانبها المالي لأننا كما أشرنا في مقال سابق إلى أن معيار الجودة هو ما يتوجب على الحكومة أن تعززه مادياً قبل أي معيار آخر.
كما أني أجد بالتزام أغلبية الموظفين قرار نقابة موظفي التأمينات بالإضراب أمراً فيه الكثير من حسن العمل التنظيمي، لكن ما لا أفهمه أبداً هو أن يتحول الإضراب من وسيلة لتحقيق مطالب معينة إلى هدف يسعى البعض إلى استمراره دون مبررات واضحة، فقد أقدمت الحكومة ممثلة بوزارة المالية على طرح البديل الاستراتيجي للرواتب لكل القطاعات العامة ومن ضمنها مؤسسة التأمينات، كما طُرحت مبادرة جيدة لتحقيق المطالب الإدارية والمالية لموظفي التأمينات في مدة لا تتجاوز ستة أشهر، وهو ما يعني أن أسباب الإضراب قد انتفت بتحقيق المطالب في مدة زمنية معقولة.
لماذا الاستمرار في الإضراب إذاً رغم كل تلك الضمانات؟
قد يقول قائل إن ما طرحته الحكومة من وعود ليس محل ثقة، والسبب أن هناك وعوداً سابقة لم تتحقق، وهو طرح أتفهمه جيداً حتى إن اختلفت معه هذه المرة، فإن صدق ذلك الطرح ولم تحقق الحكومة ما وعدت به خلال ستة أشهر فإن بإمكان النقابة معاودة الإضراب في ظل الالتزام التنظيمي الجيد من موظفي التأمينات مع نقابتهم.
إن فض الإضراب اليوم لا يعدّ تخاذلاً أو تهاوناً، بل هو انتصار لمطالب تم الاتفاق على تحقيقها بين الطرفين في مدة زمنية قصيرة جداً، ولا مبرر أبداً لتعطيل مصالح المواطنين، خصوصاً أن هناك الكثيرين منهم بحاجة إلى استمرار عمل مؤسسة التأمينات الاجتماعية بشكل طبيعي.