كثيراً ما كنت أكتب في الماضي عن الإصلاحات السياسية معتقداً أنها هي المخرج من تردي الحال، إلا أني في كل يوم يمر تزداد قناعتي بأن الحلول السياسية وتقويم الوضع السياسي ما هو إلا تفصيل صغير يسبّب الحال السيئة، فأزمتنا أخلاقية وليست سياسية، وقد كتبت فيما مضى حول هذا الأمر، واليوم أعيد ما كتبت محاولا إثبات رأيي خصوصا في ظل تكرار المحاولات بأن الإصلاحات السياسية ستجعلنا في جنة، إليكم بعض ما كتبت:
– نقبل بأن يكون لنا رأيان في قضية واحدة تتغير بتغير الأشخاص أو المواقع فقط، ونسمي ذلك مواءمة، ونتحجج بالظروف والمعطيات، وعندما يمارس الآخر أسلوبنا ذاته نعتبره نفاقاً ونردد الآيات والأحاديث في نقده.
– لا نبالي أن يعيش بيننا بشر بلا هوية ولا تعليم ولا صحة ولا سكن ولا وظيفة لمدة خمسين عاماً، ونكتفي بقول "خل يطلعون جناسيهم" وكأن الإنسانية مقرونة بجنسية وهوية، وفي نفس الوقت نطالب بإسقاط القروض عن المواطنين، ونستنزف أموال الدولة كي لا نثقل كاهل المواطنين مادياً، حتى إن كانت قروضهم من أجل سيارة فارهة وإجازة سياحية.
– نردد "ملّينا" من الفساد وتراجع الأحوال في البلد، وتفشي "الواسطة" والمحسوبية في كل القطاعات، ثم نعتبر من يخلص لنا معاملة أو يزوّر لنا عذراً طبياً أو يستثنينا من طابور، أو يعيننا في وظيفة يوجد من يستحقها أكثر منا بأنه "راعي نخوة وما قصّر".
– نرحب بكل شكل من أشكال القانون في الخارج، ونلتزم به أكثر من أهل البلد أنفسهم، وعندما يطبق علينا القانون في بلدنا نردد "شمعنى إحنا".
– نطالب بتعيين الكفاءات ونذهب إلى شراء الشهادات الجامعية من الخارج.
تلاشي الأخلاق مشكلتنا وأزمتنا، وما سبق مجرد شواهد على ما أقول، مشكلتنا أخلاقية بائسة لن تستقيم معها الحال، والأخلاق في تردٍّ وانحدار مستمرين، ولا نحرك ساكناً لتقويمها بل نعزز تلاشيها حتى نكمل تكوين الغابة قريبا.
كل السلوكيات التي نعانيها هي مجرد تفاصيل لأزمة حقيقية عنوانها الأخلاق، وتقويمها الأساسي هو التعليم والتربية، فالدولة تمتلك فرصة مقدارها الـ14 سنة الأولى من عمر الإنسان من رياض الأطفال إلى التعليم الثانوي نستطيع من خلالها أن نرسم، بل ننحت الهوية والأخلاقيات التي نريد على أبنائنا، فنشكّلهم كما نريد، لنقدم للدولة هوية أخلاقية حميدة لكننا لا نفعل، وكما هو واضح لن نفعل للأسف.