نتجه دوماً إلى السياسة لحل مشاكلنا المجتمعية، التعليم سيئ نحاسب الوزير سياسياً، القطاع الصحي متدهور نهدد ونتوعد الوزير، الإسكان أزمة نسن قوانين إضافية للإسكان، وهلم جرا على بقية المجالات وقطاعات الدولة. قد تساهم السياسة في حل بعض المشاكل أو تحريك المياه الراكدة في قطاعات مهمة بالدولة، كما أسهمت سابقا بذلك بقوانين مفيدة أو رقابة حقيقية تهدف إلى إصلاح الوضع، لكن هل السياسة فعلاً هي ما يحل مشاكلنا؟ نشرت الزميلة "القبس" في عددها الصادر أمس الثلاثاء خبراً عن منع عرض موسيقي في كلية العلوم الاجتماعية، وقد جاء هذا المنع على يد جمعية العلوم الاجتماعية، وهي لمن لا يعلم مؤسسة طلابية ينتخبها طلبة الكلية كل سنة لتمثيلهم، ويتولى قيادتها في هذا العام القائمة الائتلافية (الإخوان المسلمون)، بمعنى أن أغلبية طلبة كلية العلوم الاجتماعية وعبر ممثلهم المنتخب منعوا عرضا موسيقيا لأنه يخالف اعتقادهم، كما اشترط النادي السياسي، التابع للاتحاد الوطني لطلبة الكويت فرع الجامعة (إخوان مسلمون)، وجود محرم للطالبات من أجل قبولهن في رحلة ثقافية طلابية لزيارة مبنى الاتحاد الأوروبي في بلجيكا، وهو أيضا اتحاد منتخب من الطلبة الكويتيين بالجامعة. الحالة السابقة ليست حالة سياسية بل هي عبارة عن فكر مجتمع تنتخب أغلبية أبنائه من يشجع على سيطرة الرأي الواحد ومحاربة أي فكرة تخالفه، بل يحاول أيضا فرض رأيه على بقية الأفكار قسراً، وهنا مربط الفرس، فلنفترض مثلا أن ساستنا اليوم تمكنوا من إقرار أمور تنموية تغير الوضع القائم فأنشؤوا مدنا جديدة وبنوا مطاراً جديداً، ووفروا المستشفيات والمدارس والجامعات والطرق بشكل أفضل، بمعنى أوضح تمكنوا من تحقيق كل ما يرغب به الشعب تنموياً من خلال القرار السياسي، فهل ستزيل هذه التنمية المرجوة التخلف والرجعية في المجتمع؟ هل سيسمح للعرض الموسيقي إن كان في جامعة جديدة على أعلى طراز؟ هل سيتراجع الناس عن السعي إلى فرض الرأي والاعتقاد الواحد على البقية إن أنشئت مدن جديدة أو كان لدينا مستشفيات أكثر؟ طبعا إن هذا الأمر لن يتغير بتغير المباني والمنشآت بل هو بحاجة إلى عقول أفضل. لذلك فأنا أعتقد أننا عند التركيز على السياسة دون غيرها فإننا قطعا نسير باتجاه خطأ لا فائدة منه دون مجتمع واعٍ وعاقل، وهو ما لا نعمل لتحقيقه أبدا للأسف إلا بمحاولات أقل من محدودة، لابد من ترتيب مشاعرنا وغضبنا وسخطنا بشكل أفضل فيكون منع كتاب أو دخول رأي إلى الكويت أشد وطأة وألما على نفوسنا من تصريح وزير أو مرسوم، وأن يكون إسكات الرأي المخالف لآرائنا أشد قسوة علينا من قضية مال عام، هذا هو الاتجاه الصحيح الذي يتوجب علينا التركيز عليه؛ بناء المجتمع قبل المنشآت فالعقل القويم قطعا سيحقق البناء، أما المنشآت فلن تحقق عقلا قويما أبدا.