استقالة وزير الكهرباء وزير الأشغال، م.عبدالعزيز الإبراهيم، هي انتصار لقوى الفساد في البرلمان الكويتي، وخسارة للكويت، ومأساة لقوى الإصلاح ومكافحة الفساد، وخاصة أنها تأتي بعد تأكيدات صدرت من سمو أمير البلاد، ومن رئيس مجلس الوزراء، بالعزم على التشدد في استئصال الفساد، في ظروف طغت فيها أخبار اختلاسات التأمينات وإلغاء الكفالات المصرفية من قِبل بلدية الكويت.
الأمر المستغرب، هو انتفاضة السادة أعضاء البرلمان الكويتي، وإطلاق صيحات التوعد باستجوابه وطرح الثقة به، لأنه اتهم نواباً بتقاضيهم مبالغ نقدية، يعني “رشوة” للتصويت على طرح الثقة به.
وكان أحد الصحافيين قد طرح على الوزير الإبراهيم الأمر أثناء افتتاح محطة تحويل الزور، وفق ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، عن دفع مبلغ 350 ألف دينار، مقابل كل صوت لطرح الثقة به، كما جاء في تغريدة د. صلاح الفضلي، التي كانت متداولة لأيام، وكان رده بأن ذلك قد يكون “ضريبة مكافحة الفساد”.
وجاءت انتفاضة أعضاء البرلمان في نفس اليوم (الأحد)، وبعد ساعات من كلام الوزير، تتوعده بالاستجواب وطرح الثقة، لأن ما قاله فُسّر على أنه طعن في نزاهة النواب!
ثورة النواب على المساس بنزاهتهم جاءت بعد ساعات من المؤتمر الصحافي، أطلقها نواب مازالوا في سفر خارج الكويت، وكما لاحظت جريدة السياسة، أن عدداً من النواب أصحاب الهجوم كانوا يقرأون من أوراق معدَّة سلفاً، كما لوحظ التزامهم بالنص المكتوب.
الفساد في البرلمان
الحديث عن الفساد في مجلس الأمة ليس أمراً مستغرباً، بل هو أمر متواتر، فلم يقصّر أعضاء المجلس في تبادل اتهام بعضهم بعضاً، بأنهم “حرامية وقابضون ومأجورون”، كما حدث في جلسة الأربعاء 11/ 3 /2015، التي أطلقت فيها عبارات يعف اللسان عن ذكرها، ولم يتحرك بقية الأعضاء لمحاسبة زملائهم مطلقي تلك الاتهامات والعبارات.
وقبل أشهر أُثيرت أيضاً في المجلس أحاديث عن تقاضي أحد الأعضاء مبالغ من رئيس الوزراء، ولم ينكر السيد العضو ذلك، بل أقرَّ بأنه قبض، وأنه لم يكن الوحيد، بل هناك “آخرون” قبضوا!
ولم يفزع السادة الأعضاء لمثل هذه الاعترافات، ولم يطالبوا بمحاسبة العضو أو رئيس الوزراء، ولا حتى من باب السؤال والاستفسار!
كذلك، لماذا يستنكر أعضاء البرلمان الكويتي أمر تفشي الرشوة في أوساط مجلس الأمة؟ أليس مطروحاً أمام إحدى لجان المجلس التحقيق في قضية تقاضي الأعضاء رشوة عرفت بإيداعات نقدية لمبالغ مليونية في حسابات النواب المصرفية؟ وأن النيابة العامة قد حفظت القضية، لعدم كفاية القوانين الحالية للمحاسبة، وأن مَن قبضوا اعترفوا.. إما بأنها مدخرات السيدة الوالدة وجدت في دولابها، وإما كما قال أحدهم إنه يقبض من الشيوخ، ليوزعها على الناخبين بمنطقته الانتخابية.
رأس الوزير
الفساد شائع في البلد، لدرجة التخمة، وروائحه باتت تزكم الأنوف على مدى 24 ساعة.
رد الوزير لم يكن مباشراً، فهو لم يتهم أحداً، والتغريدة كانت متداولة لأيام، فماذا وراء هذه الانتفاضة والفزعة؟
الجواب، هو أن الوزير الإبراهيم مطلوب رأسه… لماذا؟ لأنه نزيه ومخلص… وهي مواصفات أصبحت نادرة في بلدنا، ولأنه لا يستقبل النواب وقبول مصالحهم، ولأن حرصه الشديد وتمسكه بالقانون والنظام يضايقان أصحاب المصالح.
ونعود لما ذكرته جريدة السياسة، بأن المسألة مطبوخة، وأن تنحية وزير الكهرباء والأشغال خلفها رؤوس كبيرة ومصالح معتبرة.
المضحك المبكي
وقد أشارت السياسة في 12/ 3 /2015 إلى أن تحرك النواب كان مدرجاً على جدول أعمال مجلس الأمة، وتم الاتفاق عليه في لقاء عقد بمزرعة أحد النواب، وأقسم الأعضاء الحضور، وعددهم 11 عضواً، بأن هذا الاجتماع تم قبل 10 أيام من حادثة كلام الوزير، الذي لم يكن إلا جواباً عن ملاحظة، والمضحك المبكي أن محاور الاستجواب التي ذكرها نواب الهجوم على الوزير، هي قضية إلغاء مناقصة المطار وانقطاع الكهرباء.
انقطاع الكهرباء، ذكر الإبراهيم أن سببه تقصير يستوجب المساءلة والمحاسبة… أما قضية إلغاء مناقصة المطار، فقد تمَّت بناءً على قرار لجنة شاركت فيها 6 جهات، هي: “الأشغال” وإدارة الطيران المدني ومجلس التخطيط ووزارة المالية وجامعة الكويت ومعهد الأبحاث، وتقريرها يعرض على لجنة المناقصات.
والأسباب التي استندت إليها اللجنة لإلغاء المناقصة، هي ارتفاع سعر أقل العطاءات عن الكلفة التقديرية، وفق تقدير المكتب الاستشاري الهندسي بنحو 40 في المئة، وسعر العطاء الثاني يفوق التقدير بـ 60 في المئة، والسبب الثاني والمهم، هو أن العطاء صاحب الأسعار الأقل فيه مخالفات لشروط المناقصة.
والغريب في الأمر، أنه من بين 32 شركة تسلمت كتاب المناقصة، لم تتقدم بعطاءاتها إلا 4 شركات فقط.
أمنية!
كنت أتمنى على الوزير الإبراهيم عدم الاستعجال في تقديم استقالته، والتصدي للاستجواب والرد عليه، وأعتقد أنه قادر على تفنيد محاوره، كما في الاستجواب السابق، وأهمية ذلك تكمن في كشف المستور أمام الشعب الكويتي، بما فيه ضعف الحكومة، التي لم تفزع للدفاع عن وزيرها، ولو فعل الإبراهيم ذلك، لزاد ارتفاع مقامه في أعين الكويتيين، وهو الأهم.
في الختام، نعزي الكويت وأهلها، بفقدان عنصر نادر في نزاهته وشجاعته في مكافحة الفساد، ولم يبقَ لنا إلا البكاء والنحيب على أموال بلدنا الحبيب.
آخر مقالات الكاتب:
- انتخابات 2016 فرحة لم تكتمل
- أول مجلس يحلّ نفسه
- لا تزرعوا الكراهية فنتائجها وخيمة
- الانتخابات المقبلة… المقاطعة أسلم أم المشاركة؟
- الفساد وصل إلى العظم
- منع الاختلاط والحول الفكري
- الدمار والقتل في حلب مسؤولية روسيا
- المأزق الذي نواجهه من صنع السلطة
- وداع… وإنقاذ
- برنامج الحكومة الإصلاحي… لا جديد فيه ولا يحمل جدية