لا يهمني كثيرا الجدل الدستوري الذي أوجده حكم المحكمة الدستورية الأخير، والذي أبطل الانتخابات الأخيرة ومجلس الأمة 2012، ولن أقف على كيفية تصحيح الإجراء الدستوري، بل سأحاول أن أتفهم الاشكاليات السياسية الكبرى التي صاحبت هذه المتاهة الدستورية والتي أدت الى تصادم السلطات.
نص دستور الكويت في المادة (50) على مبدأ فصل السلطات، وهذه القاعدة القانونية هي إحدى اسهامات المفكر والقانوني الفرنسي «مونتسكيو» الذي أكد فيها على استقلالية السلطات عن بعضها البعض.
ولكن مونتسيكيو أكد أيضا على مفهوم آخر مهم، حيث اشار له في سياق حديثه عن علاقة السلطات الثلاث، وهو مفهوم (السلطة تحد السلطة)، أكد فيه على ان تقاوم كل سلطة ـ السلطة الأخرى اذا ما تعدت على صلاحياتها، فالسلطة التشريعية تراقب وتشرّع ولا يمكن ان تنفذ شيئا، لأن التنفيذ ليس من صلاحياتها بل من صلاحية الحكومة او السلطة التنفيذية، كما أن السلطة القضائية منوط بها الفصل بالمنازعات وإصدار الأحكام والقرارات القضائية وفق ـ ما أقره المشرع وهو البرلمان.
كل السلطات في النهاية تمثل الشعب، فالسلطة القضائية لا تكون سلطة الا بقانون ينظمها ويصدره مجلس الأمة الذي يمثل الشعب، ولا يفصل القضاء في المنازعات الا بالقانون الذي أصدره البرلمان والذي هو يمثل الشعب.
إذن عمليا كل السلطات في النظام الديموقراطي تنبع من مصدرها (الشعوب)، ولذلك نص دستور الكويت في المادة 6 «نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر للسلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور».
استمعنا مؤخرا الى وجهات نظر بعض نواب الأغلبية المبطلة عضويتهم، والتي مفادها «بطلان حكم المحكمة الدستورية الأخير» ولأسباب عديدة ساقوها لتبرير وجهة نظرهم، ولكنهم أيضا أكدوا على احترام القانون وتطبيقه، وهنا يكون مجلس امة 2012 قد التزم بمبدأ فصل السلطات رغم اختلافهم مع أحكام السلطة القضائية.
ولكن ووفقا لمبدأ «السلطة تحد السلطة» يرى نواب الأغلبية المبطلة عضويتهم، ان الحل النهائي لمشكلاتنا السياسية، يكون بمزيد من التشريعات والقوانين المنظمة لعمل السلطتين القضائية والتنفيذية، فكما احترمنا نحن (أعضاء السلطة التشريعية) اعمال السلطة التنفيذية وأحكام السلطة القضائية، يجب ان تحترم مشاريعنا للإصلاح السياسي والقضائي التي سنقترحها في البرلمان القادم.
ما نتمناه من مرشحي الأغلبية المبطلة ان يتقدموا للشعب الكويتي ببرنامج انتخابي واضح ودقيق جدا في الانتخابات القادمة حتما، فالمطالبة بالإمارة الدستورية مثلا مطلب غير منطقي، لأن نظامنا السياسي هو فعلا نوع من أنواع الإمارة الدستورية، وكذلك الحكومة البرلمانية منصوص عليها في الدستور، والكلام فيها هو مضيعة للوقت، ولذلك كله يجب ان يكون المطلب هو بتعديلات دستورية تعطي مجلس الأمة حق اعطاء الثقة بالحكومة الجديدة وليس برئيسها، ونكون بذلك احتفظنا بحق (سمو الأمير حفظه الله) باختيار رئيس الحكومة، وأعطينا للأغلبية في مجلس الأمة الحق بالمشاركة في تشكيل الحكومة وعندها لابد ان تكون الحكومة برلمانية الهواء والأعضاء.
أما بالنسبة للسلطة القضائية، فيجب ان تكون للأغلبية رؤية واضحة لمشروع استقلال القضاء، وان تتقدم بما تراه مناسبا للرأي العام وبكل دقة، ما القوانين التي تقترحها وما شكل التنظيم التي تريدونه للسلطة القضائية.
عندئذ فقط ـ سيكون تصويت الناخبين ـ كالاستفتاء الشعبي على برنامج الأغلبية البرلمانية للإصلاحات السياسية والقضائية، وستستمد تلك الإصلاحات قوتها من مصدر السلطات (الشعب) وعلى الجميع احترامه.