شاهدت لقاء الجار في هذه الصفحة من هذه الصحيفة، باسم يوسف، عندما استضافه يسري فودة. شاهدت كيف كان باسم يوسف يقمع دموعه ويمنع خروجها، ويحرمها حق تقرير مصيرها، عندما استبدلها بالضحك والفكاهة. شاهدت الحزن الصادق على وجهه. شاهدت رجلاً يحاول مسايرة الواقع، في حين تظهر آثار مبادئه الثقيلة على كتفه بوضوح.
شاهدتك يا باسم وأنت تتنقل بخطواتك في حقل ألغام الأسئلة المتوقعة. شاهدتك وأنت تستميت كي لا تصغر في أعين الكبار، وكي لا تقع في فخاخ الصغار، وعدد الصغار أضعاف أضعاف عدد الكبار. وكما قمعتَ دموعك ومنعت خروجها، قمعت كلماتك الحقيقية التي تكدست على سطح لسانك واستبدلتها بالكلمات الاحتياطية. شاهدتك وأنت تريد أن توصل لمشاهدي اللقاء، من تحت الطاولة، ورقة كُتبت بالحبر السري "الحرية لم تتراجع فقط، بل انهارت، في عهد السيسي، ومرسي كان رمزاً للحريات مقارنة به". شاهدتك وأنت تقاتل من أجل الحفاظ على نجوميتك ولقمة عيشك من دون أن تخسر مبادئك، مع قبولك بتنازلات طفيفة، كما تظن، لكنها كانت واضحة لنا، كما أظن.
آه يا باسم. أنت في لحظة موبوءة، يحمل فيها الحاكم العسكري، إضافة إلى نياشينه، لقب سلاطين آل عثمان "ظل الله في الأرض"، وتعمل الصحافة والبرامج بشعار صحيفة "البرافدا" الشيوعية "نحن الحقيقة وما سوانا باطل"، ولو كنت في بلد حر لكان مسرحك معلماً تفاخر به الدولة ويفاخر به الشعب، ولكانت قفشاتك تملأ الدنيا ضجيجاً وضحكات المشاهدين تملؤها صخباً.
قل لي بربك، وأنت الطبيب، هل يمكن أن ينجو من يعيش في بيئة ملوثة؟ هل تستطيع الكلمة الصادقة أن تحمي نفسها فلا يصيبها وباء الكذب المحيط بها من كل الجوانب؟ ما هي كميات المضادات الحيوية التي يمكن أن تحمي جسم الحرية وتحافظ على مناعته في ظل هذا الطاعون المميت؟
خذها من أخيك يا دوك، خذ هذه الكلمة واحتفظ بها بزهو "الإعلامي في الوطن العربي، أو الوثن العربي، أشجع من نظيره في أوروبا وأميركا، فالكلمة الحرة هنا تنهي مستقبل قائلها، والكلمة في الغرب تبني مستقبل قائلها".
آه يا باسم، قمعوك فقمعت دموعك وصرخاتك، وضحكت بكاءً. كان الله في عونك وعون محبيك وعون أنصار الحريات.