ماشي يا دبي، ماشي يا بني آدمين… يخرج حاكمها محمد بن راشد آل مكتوم ليعلن "بدء خطوات تنفيذ الحكومة الذكية لتحل محل الحكومة الإلكترونية"، ويضيف: "الحكومة الذكية هي التي تصل إلى الأشخاص لا العكس، وهي حكومة لا تنام، وتعمل على مدى الأربع والعشرين ساعة يومياً وطوال أيام السنة". أي أنه بإمكانك إنجاز معاملاتك وأنت في منزلك مرتدياً الفانيلة والسروال بعد منتصف الليل، كل ما عليك هو أن تفتح جهاز الكمبيوتر وتقوم بتعبئة البيانات وطباعة المستند وتكون بذلك أنجزت المهمة المستحيلة، من دون أن تقف (الأصح "تترزع" كما يقول المصريون) على "كاونتر"، وتتنقل من مبنى إلى مبنى، ومن طابق إلى طابق، فتتيبّس عضلات فخذيك، ومن دون أن تسأل أصحابك "أحد عنده واسطة في المكان الفلاني؟"، ومن دون أن يصعقك مدير الإدارة بالكليشة الحكومية الرائعة "روح للبنات"، فتسأل عن مكتب البنات، فيصعقك صاعق عندما تكتشف أن أصغرهن حجماً أنحف قليلاً من حقل النفط، وأصغرهن عمراً خُلقت بعد خلق الإبل بأسبوع، وقيل بل بشهر.
تراث يا صاحبي، وتقاليد لها لذة ونكهة، لتأتي دبي وتمسح كل هذا الجمال وتتحول إلى "شريحة ذكية تضعها في الكمبيوتر"! شريحة لا روح فيها ولا مشاعر، وكل من لا يجيد استخدام الكمبيوتر ويزور دبي سيكون كمن سقطت به الطائرة في الصحراء الكبرى وفي عز الظلام. تحيط به الذئاب والضباع شمالاً، والجوع والبرد والعطش جنوباً.
وكان بإمكان حكومة الكويت اللحاق بحكومة دبي وتخطيها، لولا أن حكومتنا أكثر إنسانية من حكومة دبي. ولك أن تتخيل وضع المواطن أو المقيم الذي لا يجيد استخدام الكمبيوتر، كيف سيتصرف؟ وماذا سيفعل؟ ثم إن إنجاز المعاملات بالطريقة التقليدية مفيد للياقة البدنية، ويساعد بشرتك في اكتساب فوائد أشعة الشمس التي لولاها لامتلأت أجسادنا بالنمش، كما يحدث لشعوب بلدان شمال أوروبا والعياذ بالله.
ولو أرادت حكومة الكويت لقفزت مباشرة إلى "حكومة خاتم سليمان"، فتفتح جهاز كمبيوترك على صفحة الموقع الإلكتروني الحكومي وتقول: "معاملة استخراج…" وقبل أن تتم جملتك يجيبك الكمبيوتر: "على هالخشم، تم"، وينجز معاملتك قبل أن يرتد إليك حنكك، ويقبّل خشمك، فتخنقك العبرة، فتبكي، فيبكي معك، فيعمل لك "شاي بالنعناع"، وقد يعمل لك "حلبة"، إذا كنت حاملاً في شهرك السابع، فتخجل وتتمتم بكلمات لا تفهمها أنت نفسك، فيطبطب موقع الحكومة الإلكترونية على كتفك ويتحدث بصوت خفيض: "أنا عكازك إذا وهنت عظامك".
ماشي يا دبي… ماشي يا بني آدمين…