هنا… الكتابة في الشأن السياسي أسهل من القراءة فيه، هي سهلة لدرجة الإسهال، وهي مستباحة لا عزوة لها تحميها. وكل من “طق طبله” كتب في السياسة، وأنا ممن “طق طبله” على الطريقة الإفريقية. على أن بعض الكتّاب تعامل مع السياسة باعتبارها مكب نفايات على الدائري السابع، وباعتبار الصحيفة كيساً بلاستيكياً أسود.
قوافل من الأقلام تزاحمت على بئر السياسة، الكتف بالكتف والقدم على القدم، في حين تنعق البوم في الصفحات الفنية، إلا ما ندر، وما أندر “ما ندر”! طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار وعقله أن الرياضة والاقتصاد بنتا السياسة ووريثتاها الشرعيتان.
حزني على الصفحات الفنية، وعلى الفن في الكويت، وأزعم أنه بسبب عدم وجود أقلام فنية حادة ساحت ألوان الفن بعضها على بعض، وانتهك عرضه… ستقسم أمامي أن صحافتنا ملأى بهم، وتشير بإصبعك إلى الكاتب “الفني” فلان، والناقدة الفنية فلانة، فأضطر إلى خنقك بغترتك وإقناعك بأن “الناقد الفني” يختلف عن متعهد الحفلات.
دعنا من هذا فمسؤوليته تتحملها شرطة الآداب، وقل لي بالله عليك: هل أتاك حديث الكاتب المصري العظيم طارق الشناوي، المتخصص في الفن والثقافة؟ هل تقرأ له مثلي في جريدة “التحرير” المصرية حالياً و”الدستور” سابقاً؟ هل تستشعر مثلي حدة قلمه وصدقه وعمقه وسعة إدراكه وثباته على مبادئه وقوة حجته؟ هل سمعت عن هجومه، كما يظن السطحيون، على الممثل حسن يوسف، أحياناً، ودفاعه عنه أحياناً، رغم اختلافه الشديد معه؟ هل أدركت مثلي أن هجومه كان على الفكرة ودفاعه كان عن المبدأ، ولم يكن متقلباً كما يظن عشاق الشخبطة على اللوحات الجميلة؟
هكذا أتخيل طارق الشناوي… ممسكاً عصا القيادة، وله فيها مآرب، يوجه بها هذا الشاب، ويرفعها تحية لذلك المبدع الخلّاق، ويضرب بها ظهر ذاك المرتزق المنافق، ويخيف بها الدخلاء، ويحافظ على تناغم اللحن. وأظن أنه لو كان في الكويت لاستبدل عصاه بساطور ألماني، ولارتفع الصراخ، ولنَفَذَ غالبية “الفنانين” بجلودهم وجباههم وظهورهم.
صدقني، من الخطأ والخطر ترك الساحة الفنية بلا “كاتب فني معارض للسلطة”، ستقول: ما علاقة صنعاء ببغداد؟ فأجيبك: إذا تُرك الفنانون بلا عين رقيب ولا عصا حسيب، فسينجرفون تلقائياً إلى ما يرضي الكراسي والبشوت والشيكات، فيتساقطون في الوحل، وقبلهم الفن نفسه.
أعطني “شناوياً” أُعْطِك فناً… سلّم واستلم.