كانت فترة قررت فيها أن أقف على ناصية الشارع السياسي، أقزقز اللب والحَب وأراقب الجماعات السياسية وهي تتمخطر في الشارع ذهاباً وجيئة، من دون الحرص على مغازلة أيّ منها، دع عنك الارتباط الشرعي… من هنا تمر جماعة تتمشى بغنج مصطنع، ومن هناك تحرص جماعة أخرى على إظهار مفاتنها أمام المارة، وثالثة تتظاهر بالجدية وعدم الاكتراث بنظرات الجالسين على المقاهي أو الواقفين على النواصي، زي حلاتي، ورابعة تنظر إلى الناس من علٍ، وخامسة وسادسة وسابعة… لكل واحدة منها طريقتها في لفت الأنظار، إلا أنها كلها تدّعي أن أساس جمالها الفكر، ولا شيء غير الفكر، وتذكّرك أن الجمال الخارجي زائل لا محالة، فاظفر بذات الفكر تربت يداك، في حين أن أغلب هذه الجماعات قائم على الدم والنسب والعامل الاجتماعي، ويأتي الفكر في المرتبة الثانية إذا لم يكن في الثالثة. مراراً قلت وسأظل أقول إلى آخر حبل في حنجرتي: إذا كانت القاعدة في علم الجريمة تقوم على أساس “خلف كل جريمة ابحث عن امرأة أو مال” فإن القاعدة في علم السياسة الكويتية تقوم على أساس “خلف كل قرار أو موقف للجماعات السياسية ابحث عن العامل الاجتماعي”. يا صاحبي، العامل الاجتماعي يهزم العامل العقدي، وهو الأقوى، ويحتل أرضه، فكيف لا يهزم العامل السياسي أو الفكري وهو المستحدث والأضعف؟! ولك أن تنظر إلى علاقات الزواج وامتناع البعض عن تزويج البعض الآخر لأسباب اجتماعية بحتة، رغم التحذير الديني. ولهذا أقول لمن يسأل: “كيف تفسر تطابق أفكار الليبراليين مع التجمع السلفي في قضايا التعديلات الدستورية؟”، الجواب: “ابحث عن العامل الاجتماعي”، فكلاهما يرفض أن تأتي التعديلات من الفئة الأخرى… وإذا سألني آخر: “كيف تفسر تطابق رؤى التجمع السلفي ورؤى التيار الليبرالي، في حين تتضاد رؤى التجمع السلفي مع رؤى الحركة السلفية، وكلاهما ينتميان إلى قبيلة فكرية وعقدية واحدة، كما يفترض؟” أجيبه: “اختصاراً للوقت والحبر والورق، ابحث عن العامل الاجتماعي”. على أن السلطة بدلاً من مراقبة أحوال البلد انشغلت بمراقبة العامل الاجتماعي، وحرصت على توفير البنزين وأعواد الكبريت، استناداً إلى الفكر الاستعماري البريطاني: “فرّق تسد”. لذا، أقول لمن يعشق الجلوس في المقاهي السياسية أو الوقوف على ناصية الشارع: إذا مرت أمامك جماعة سياسية تستعرض مفاتنها، فركز نظرك على تفاصيلها الاجتماعية من بين تفاصيل جسدها، و”اترك الباقي لهم”.