الله يرحمك يا يوسف السباعي، الأديب المصري، أستغفر الله العظيم (كل من يعتبر يوسف السباعي أديباً، عليه أن يستغفر ربه ثلاثاً، وأن يُطعم مسكيناً ويعتق ستين رقبة… أقول هذا بعد أن أمدني الله بكميات من الصبر والجلَد فقرأت بعض إنتاجه، وتوقفت قبل أن أموت كمداً، وقبل أن تتشقق شفتي السفلى بعد أن اعتادت المطَّ تذمراً وامتعاضاً، وضمرت عظامي لعدم وجود الملح في قلمه، ومن يقرأ للسباعي شهراً متواصلاً سيشتكي نقص الكالسيوم، وجفاف شفته السفلى)…
كان ضباط الثورة بجبروتهم، وعلى رأسهم أنور السادات، يدلّعون زميلهم الضابط “الأديب” يوسف السباعي ويمنجهونه، فمنحوه منصب نقيب الصحافيين، ورئيس تحرير إحدى أكبر الصحف القومية، أظنها الأهرام، ووو، وتحولت رواياته، التي لا تعادل جناح بعوضة أمام روايات نجيب محفوظ، إلى أفلام ومسلسلات، ولا تكاد تخلو صحيفة من تحليل لهذا “الأدب السباعي العظيم”، ولا يمر يوم على الإذاعة دون أن يعلن “النقاد” انبهارهم بهذا الأدب الذي لا يعادله إلا شعر شوقي، ووو، ولم يكتفِ السباعي بكل هذه “الديكتاتورية الأدبية” بل راح يحارب الآخرين من الذين ولدتهم أمهاتهم أدباء، وسعى إلى قطع كل زهرة زاكية زاهية في بستان الأدب، فحارب نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ومحمد عودة ومحمود السعدني وعبدالرحمن الخميسي والرائع الساخر المسالم، أحد أشهر علماء اللغة وعشاقها، محمد مستجاب وغيرهم، فاستسلم بعضهم أمام جبروته وسلطاته وبحثوا عن أراضٍ أخرى غير الأرض المصرية تقبل إنتاجَهم، وقاومه بعضهم…
لكن المشكلة كانت في الناس، وآه من هؤلاء الناس، الذين هجروا “أدب السباعي” وتفرغوا للبحث عن أدب نجيب محفوظ وصحبه، رغماً عن أنف كل هذه الميزانيات التي تفرغت لتسويق السباعي وطمس أي أدب آخر، بطريقة فجة كريهة.
ينشر السباعي كتبه في أعرق المكتبات، فيعافها الناس ويبحثون عن قصاصات عبد الرحمن الخميسي على الأرصفة والمقاهي الشعبية الفقيرة. يعلن السباعي في جميع وسائل الإعلام نيته تبني الأدباء الشبان، فلا يأتيه إلا شاب خاوٍ طامع في سلطة أو مال، ويتزاحم الشبان حول نجيب محفوظ في مقهى الفيشاوي. تصرح الممثلة مريم فخرالدين أنها لا تقرأ إلا ليوسف السباعي و”الباقي كخة”، فيضرب الناس كفاً بكف، سخرية من الكاتب والقارئة، لكن بنت فخرالدين، كما يقال، نجحت في تسليط جزء من الأضواء على كتبه، ما أدى إلى أن يتهكم البعض على طريقة تسويقه كتبه: “مش ناقص إلا فرقة حسب الله تمشي في زفة وراء كتب السباعي”.
وكلما رأيت السلطات هنا في الكويت تعبث بالدوائر الانتخابية، فتسحبها مرة إلى اليمين، وتشدها مرة إلى الشمال، وتزوّقها وتمكيجها وتسرح شعرها، وتنشر “النقاد” في وسائل الإعلام يزغرطون لهول جمالها، ووو، تذكرت السادات و”أدب السباعي”! ولأنني أحب السلطة حباً جماً، وبعد أن أيقنت أنا والسلطة والجميع أن “موضي علف”* وقومها لم ينفعوها، سأرشد السلطة ومستشاريها إلى مريم فخرالدين، علها ولعلها… إني لكم من الناصحين.
* * *
*موضي علف: ممثلة كويتية يقال إنها من جنس الذكور، على ذمة الأصدقاء.